ولا يُتوهَّم من كلام ابن الأثير ولا من مادة "شريف" أن شرط المعنى كونُه من الفضائل أو المعاني الحميدة؛ فإنه لو كان ذلك مرادَهم لذهبَ معظمُ النسيب والهجاء، ولذهب ما كان من الشعر كذبا. بل مرادُهم ما أفصح عنه قدامةُ في "نقد الشعر" إذ يقول: "إن مناقضةَ الشاعر نفسَه في قصيدتين أو كلمتين، بأن يصف شيئًا وصفًا حسنًا، ثم يذمه بعد ذلك ذمًّا حسنًا بيِّنًا، غيرُ منكَرٍ عليه، ولا معيبٍ من فعله، إذا أحسن المدحَ والذم. بل عندي يدلُّ على قوة الشاعر في صناعته واقتداره عليها. وإنما قدمتُ هذين المعنيين لما وجدتُ قومًا يعيبون هذين المسلكين، فإني رأيتُ مَنْ يعيب امرأ القيس في قوله:

فمِثْلُكِ حُبْلَى قَدْ طَرَقْتُ وَمُرْضِعٍ ... فَألهَيْتُهَا عَنْ ذِي تَمَائِم مُحْوِلِ

إذَا مَا بَكَى مَنْ خَلْفَهَا انْصَرَفَتْ لَهُ ... بِشِقٍّ، وَتَحْتِي شِقُّها لَمْ يُحَوَّلِ (?)

وليس فحاشةُ المعنى في نفسه مما يُزيل جودةَ الشعر فيه". (?)

وأما "صحةُ المعنى" في كلام المؤلف، فهي الدرجةُ الأولى للصعود في مصاعد الشرف، أي أن لا يكون في المعنى اضطرابٌ أو سوءُ ترتيب أو انتقاضُ بعضه ببعض، فيصيرَ الإنشاءُ أو الترسلُ أجوف، قال ابن رشيق: "وفِرقةٌ (من الشعراء) أصحاب جلبة وقعقعة، بلا طائل معنى إلا القليل النادر، [كأبي القاسم ابن هانئ ومَنْ جرى مجراه]؛ فإنه يقول في أول مذهبته:

أَصَاخَتْ فَقَالَتْ وَقْعُ أجْرَدَ شَيْظَمِ ... وَشَامَتْ فَقَالَتْ لمْعُ أَبْيَضَ مِخذَم

وَمَا ذُعِرَتْ إلَّا لِجَرْسِ حُلِيِّهَا ... وَلَا رَمَقَتْ إِلَّا بُرًى فِي مُخَدَّمِ (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015