على طريقة الاستعارة المكنية، مع كونها استعارة تبعية. وهذه الاستعارةُ مأخوذةٌ من قول أبي تمام في وصف الشعر:
وَلَكِنَّهُ صَوْبُ العُقُولِ إِذَا انْجَلَتْ ... سَحَائِبُ مِنْهُ أُعْقِبَتْ بِسَحَائِبِ (?)
وقد أَتْبع المؤلفُ استعارتَه هذه بتمثيل بناه عليها، فشبه هيئةَ انهيال الصنائع البليغة الرائقة من آثار أهل البلاغة نثرًا ونظمًا، وتلقِّى السامعين إياها، واهتزازَ أذواقهم لقبولها، وإقبالَهم على الاختيار منها، على حسب الأذواق، [شبّه ذلك كله] بهيئة عُروض السحاب في أغزر الأنواء إفاضةً، وهو نَوْءُ منزلة الثريا، فتغزر معصراتُها وتنتشر آثارها بين الأدباء كانتشار وشي الزرع في الرياض النَّضِرة، فتصبح الأدباءُ تفسِّر دقائقَها للطلاب كما تبشرُ روادُ المراعي رعاءَ الحي بالمسارح الخصبة والمكارع العذبة، فذكر هنا الهيئةَ المشبهة بها. وقد أشار إلى الهيئة المشبهة بقوله عقب هذا: "ولتُعرَف مواطئ أقدام المختارين فيما اختاروه ومراسم أقلام المزيفين على ما زيفوه، ويُعلَم أيضًا فرقُ ما بين المصنوع والمطبوع وفضيلة الأَتِيِّ السمح على الأَبِيِّ الصعب". (?) ولقد أجاد التمثيل، فأصبح كلامه لقواعد الأدب خير تمثيل.
وقوله "في الاشتراف" بفاء في آخره، أي الارتفاع. فيكون شبه الرفعة المعنوية برفعة السحاب إذا أخذ يتصاعد وينضم بعضه إلى بعض. ووقع في إحدى النسختين التونسيتين "الاشتراق" (بقاف في آخره)، ولا يستقيم (?).