وأحقُّ الناس بإطلاق العنان في هذا الميدان هم الذين استكملوا عُدةَ الفريقين، وتكلموا باللسانين، مثل الجاحظ والآمدي وعبد القاهر والسكاكي والمرزوقي وابن الأثير، وإن كان هذا الأخيرُ دونهم ذوقا (?).

- 3 -

• قال المؤلف: "فمِنَ البُلغاء مَنْ يقول: فِقَرُ الألفاظ وغُرَرُها كجواهر العقود ودُرَرِها، فإذا وُسِمَ أغفالُها بتحسين نُظومها وحُلِّيَ أعطالُها بتركيب شُذُورها، فراقَ مَسْموعُها ومَضْبوطُها، وزان مفهومُها ومحفوظُها، وجاء ما حُرِّرَ منها مصروفًا مِنْ كدَرِ العِيِّ والخطَل، مُقوَّمًا مِنْ أَوَدِ اللَّحْن والخطأ، سالِمًا من جَنَفِ التأليف، موزونًا بميزان الصواب، يَمُوجُ في حواشيه رَوْنَقُ الصَّفَاءِ لفظًا وتركيبًا، قبِله الفهمُ والتذّ به السمع. وإذا ورد على ضدِّ هذه الصفة صدِئَ الفهمُ منه، وتأذَّى السمعُ به تأذِّيَ الحواسِّ بما يخالفها" (?)،

أراد بالبلغاء أئمةَ النقد وعلماءَ فن الترسُّل وقرض الشعر والبلاغة الذين يصرفون اهتمامَهم إلى العناية بحالة الكلام المفيد المعاني، وجعله مناطَ الاختيار والنقد.

وهذا المذهبُ نسبه الآمدي في كتاب "الموازنة" إلى الكتاب وأهل البلاغة، ونسبه عبد القاهر في "دلائل الإعجاز" إلى القدماء (?). وعلى حسب اهتمامهم هذا يجري اختيارُهم فيما يختارون من صنائع أهل الأدب، ويجري تعليمُهم فيما يُلقون للشَّادين في مزاولة الصناعة من الترسُّل وقرض الشعر. فهم يصرفون الاهتمامَ إلى محاسن الكلام، فلما وجدوا المعانِيَ إنما تظهر من دلالة الكلام عليها، صرفوا أولَ العنايةَ إلى جانب الكلام وألفاظه، وجعلوا المعاني حاصلة بالتبع. وعلى عكس هذه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015