لم يذكر المفعول به مع فعله المتعدي إليه ولم تكن قرينةٌ على تقديره، فحذفه حينئذ قد يكون لإظهار أن لا غرضَ بتعليق ذلك الفعل بمفعوله فينزل الفعل حينئذ منزلةَ اللازم بحيث يكون النطقُ به ليس إلا لقصد الدلالة على أصل معناه الحدثي إذا لم يجد المتكلم فعلًا آخر يدل على ذلك المعنى، أو لم يستحضره. فحينئذ لا يقدر لذلك الفعل مفعول نحو: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9]، وقول البحتري يمدح المعتز بالله العباسي:
شَجْوُ حُسَّادهُ وَغَيْظُ عِدَاهُ ... أَنْ يَرَى مُبْصِرٌ وَيَسْمَعَ وَاع (?)
فلم يذكر مفعولَ يرى ويسمع؛ لأنه أراد أن يوجد راءٍ وسامع، فلا غرض لمعرفة مفعول. والمعنى أن الرائي لا يرى إلا آثارَ الخليفة الحسنى والسامع لا يسمع إلا ثناءه. وقرينة ذلك قوله: "شجو حساده"؛ لأن ذلك هو الذي يشجو حسادَه ويغيظ عداه.
وقد يكون الحذف لقصد التعميم مثل: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ} [يونس: 25]؛ أي: يدعو كل أحد. وإنما قلنا آنفًا: "ولم تقم قرينةٌ على تقديره"؛ لأنه إن كان المفعول مقدَّرًا منويَّ اللفظ فهو كالمذكور، والقرينة إما من نفس الفعل بأن يكون مفعولُه معينًا، لأنه لا يتعدى إلا إليه كقول عمرو بن معد يكرب: