[تطور المصطلح الفقهى بانتشار فقه الإمام مالك]:

ومن المعلوم أن المذهب المالكي قد انتشر بتفرق أصحاب مالك في الأقطار، واتخاذهم مراكزَ متعددة في المدينة والعراق ومصر والقيروان والأندلس. فكان تطبيقُ الفقه على أيدي أصحابه في الأقطار المختلفة، ممكِّنًا لكل مركز من تلك المراكز أن يجد من الصور والأسماء وفنون التعبير ما يمتاز به عن المراكز الأخرى. فاتسعت بذلك مادةُ المسائل، واتسعت لغةُ التعبير عنها، وتلاقت الأسماءُ المتعددة والأساليبُ المختلفة وضبطُ الحقائق الفقهية والتعبير عن مواهيها.

وبدأت كتبُ المسائل تتردد بين الأقطار فتصل - في التعبير عن المواهي وتقريبها - بين قطر وقطر. وإذًا نقل عيسى بن دينار ويحيى بن يحيى - وهما أندلسيان - عن ابن القاسم سماعَه وهو مصري، ونقل أسد الفرات وسحنون - وهما من القيروان - سماعَ ابن القاسم أيضًا، ورجع سحنون لسماعه من علي بن زياد بتونس يعرضه على ابن القاسم بمصر، وروى أبو بكر الأبهري - وهو عراقي - سماعَ ابن عبد الحكم - وهو مصري، فكان ذلك كلُّه زيادةً في التحقيق والضبط لعبارات مالك، وزيادةً في إشاعتها، وإحسانًا لتطبيقها على المحال المختلفة من صور الأحوال التي تُحقق باختلافها مقاصدُ العبارات ومدلولاتُ المصطلحات.

وصدرت بهذا العمل الجليل الموسوعاتُ الأولى للفقه المالكي في القرن الثالث: وهي المدونة لسحنون القيرواني، والواضحة لعبد الملك بن حبيب القرطبي، والمستخرجة لأبي الوليد العتبي القرطبي، وهي المشهورة بالعتبية. فجاءت مشتملةً على عشرات آلاف المسائل - إذ في المدونة وحدها أربعون ألف مسألة - تضمنت أكثرَ ما كُتب من السماع من مالك مما دوَّنه سحنون عن ابن القاسم وهو أوسع من ذلك، أو ما جمعه العتبيُّ من شتات الأسمعة غير ما في المدونة، أو ما جمعه ابنُ حبيب في الواضحة من أسمعة خارجة عن المدونة أيضًا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015