وقد ذكر القاضي عياض في ترتيب المدارك ثلاثةً من الذين ألفوا في شرح غريب الموطأ: البراقي والأخفش وأبو القاسم العثماني المصري. وفي خزانة جامع الزيتونة الأعظم بتونس نسخةٌ عتيقة من شرحٍ على غريب الموطأ اسمه "التعليق" لأبي عبد الله ابن السيد البطليوسي الأندلسي من أهل القرن الخامس والسادس، (?) زيادةً على ما اهتم به القاضي عياض في كتاب "مشارق الأنوار" من ضبط وتحقيق وشرح لمفردات الموطأ مع صحيحي البخاري ومسلم. ثم إن لمالك وراء الموطأ مجالًا أوسع في التعبير عن المعاني الفقهية بتعابير تؤثر في وضع المصطلح الفقهي لمذهبه وضبطه، وذلك هو المجالُ المعتاد للإفتاء بالجواب الشفهي عن المسائل المعروضة عليه.
وقد بين عياض في "ترتيب المدارك" أن القاصدين إلى مالك كانوا صنفين: طالبي حديث يسمعون الموطأ، وطالبي فقه يتقدمون بالمسائل. وكان مالك في أجوبة المسائل يتكلم عن روية وتحرّ وأناة، كما هو معروف في ترجمته، فكان ذلك عونًا على ضبط كلامه واتزان عبارته، كما هو معروف في تحرير عبارة الإفتاء مثلًا أو قريبًا مما يبدو منه من تحرير عبارة الموطأ. فكثرت بذلك الاصطلاحاتُ الرائجة في كلامه، واتسع مجالُ التعبير على مثال الأنحاء التي تقدم ذكرها على الموطأ.
وقد اعتنى أصحابُه المتفقهون عليه بتدوين مسائله، وضبط صور تعبيره. وذكر عياض في ترتيب المدارك أن ابن وهب ألف سماعه من مالك في ثلاثين كتابًا، وأن مالكًا لم يكن يتكلم بشيء إلا كتبه ابن وهب. وذكر أن أشهب وابن القاسم وأسد بن الفرات أيضًا دونوا أسماعَهم عن مالك. وفي ترجمة علي بن زياد أنه كتب سماعه من مالك ثلاثة كتب. فتكونت من هذه المجموعة الضخمة مادةٌ واسعة للتعبير الاصطلاحي الفقهي في المذهب المالكي، مما اتفق فيه هذا المذهب مع المذاهب الأخرى أو ما اختلف عنها فيه.