بالصفة التي هو عليها من شأنه أن يرضى الطرفين، فعلى هذه القواعد يمكننا أن نضع دعائم صداقة متينةٍ وتعاونٍ عمادهُ الإخلاص بين الشعبين الإنكليزى والمصري".
وبإرضاء الطرفين -أيها الإخوان- وبدعائم الصداقة المتينة والتعاون والإخلاص بين الشعبين -تمَّتْ هزيمة الثوار، وهُزمَ شعب مصر والسودان هزيمة منكَرَةً، بل هي أفظع هزيمةٍ في تاريخ مصر والسودان، بل أبشع هزيمة أصيب بها شعبٌ يجاهد في سبيل الحرية والاستقلال. وعلى يد مَنْ هُزمت؟ على يدِ أبنائها، وبعمل أبنائها أنفسهم، وبجهادِ أبنائها أنفُسِهم! !
26 - وبعد قليل أيها الإخوان سَارَ الشعبُ المصري وهو ينادى بالحرية والاستقلال، وزعيم ثَوْرته يفاوضُ الاحتلال في الحرية والاستقلال -ويتشعب الرأي، ويتقسَّمُ الناسُ، ويعظُمُ أمر هذه المفاوضة، ويختلف عدلى وسَعْد على رآسة المفاوضة: أهي لرئيس الوفد وكيل الأمة أم لرئيس الحكومة حاكم الأمة؟ ويشتغل الشعبُ كُلّه بكلمة المفاوضة، ولمن تكون؟ وعلى يد من تكون؟ ويتعادَى الناسُ، وتظهر العصبيّة لهذا ولهذا. ويتقدَّم الجيل الذي أنشأته بريطانيا إلى قيادة هذا الانقسام بين سعد وعدلى وثروت ومحمد محمود وأشباه هؤلاء. وتخفُّ العداوة الكامنة في الصدورِ لبريطانيا، وتتجه إلى تعادى الزعماء والقادة -كما يسمونهم- وتصْبرُ بريطانيا على هذا الانقسامِ ثلاث سنواتٍ حتى يشهَدَ الشعب مسرحيّة النزاع بين رُؤُوس الثورة الكبار، أو على الأصح من كانوا يظنونهم رؤوس الثورة. ويبدأ الشعبُ الذي أحبّ سعدًا لأنّه ثائر فيما يظنُّ، يَشْعُرُ شيئًا فشيئًا بأن معونة بريطانيا ومفاوضتها لازمة لحريته واستقلاله. وفي خلالِ ذلك استغلظ أمرُ هؤلاء المعتدلين جميعًا في عداوة بريطانيا، وتأثر الشعبُ بهذا الاعتدال، وضعفتْ عزيمته في النداء باسم الحرية والاستقلال. وتم بذلك الفصل الثاني من المسرحية البريطانية الجديدة.
27 - وجاءَ موعد الفصل الثالث من المسرحية الثانية، وهو أضخَمُها وأعظمها. وهو تصريح 28 فبراير سنة 1922 الذي يقضى بانتهاء الحماية