على فعلة الخديوى، أنشئت المحكمة المخصوصة التي تحاكم من يتعدّى على ضباط جيش الاحتلال وجنوده. وكان ختام الفصلُ السابع من المسرحية، أن اشتدّ الخلاف بين عباس ونوبار ولكنه أبى أن يستقيل، فلجأ عبّاس إلى كرومر يحتالُ على إقالة هذا الأرمنى برغبته في إعادة مصطفى فهمي وزير الاحتلال. فاستقال نوبار في 11 نوفمبر سنة 1895.

20 - وفي اليوم التالى بدأ الفصل الأخير من هذه المسرحية، وتولّى مصطفى فهمي وزارةً تدومُ من سنة 1895 إلى سنة 1908، أي دامت أكثر من ثلاث عشرة سنةً، يشارك رئيسُها الإنجليز عواطفهم غير متحفظٍ.

ولست أشُكُّ لحظةً في أن السياسة الاستعمارية، لو أرادت أن تحكم مصر حُكْمًا مباشرًا بالاحتلال العسكريّ لفعلتْ، ولو أَرادتْ أن تفرضَ منذ دخلت وزيرًا واحدًا يقضى بقضائها كما تريد لفعلتْ أيضًا. نعم، ولكن لم يكنْ يعني بريطانيا شيء، بقدر ما يعنيها تثبيطُ قُوَى الشعب الكامنة، وترويضُه على قبول فكرةٍ واحدة، هي أنه لا خير في مصادمة الاحتلال أَو مقاومته، فلجأتْ إلى تمثيل هذه المسرحية الطويلة التي دام القسم الأول منها ثلاث عشرة سنة في تقليب الوزراءِ على أعين الشعب، ودامَ القسم الثاني ثلاث عشرة سنة أيضًا بوزير واحدٍ تأمُرُه بريطانيا فيطيعُ. وفي خلالِ ذلك تتمُّ ثلاثة أشياء -الأوَّل أنْ يَظْهر سلطانُ بريطانيا القاهر في الحُكْم، وفي الحاكمين- والثاني أن يَفْشو تحكُّم البريطانيينَ في الدَّوَاوين وفي الحياة العامة -والثالث، أَنْ يجهَلَ الشعبُ جهلًا تامًّا تَفَاصِيل ما تضمرُهُ بِرِيطانيا من خفايا سياسَتِها. وقد استطاعتْ أن تحقق ذلك كُلّه على يد كرومر، وبغفلة الرِّجالِ الذين تولّوا الحُكْم تحت سلطانها مِن المخلصين، وبخيانة الوزراء الخَوَنَة الذين راضوا أنفسهم على الطاعة المطلقة، وعلى كراهة هذا الشعبِ.

21 - ستٌّ وعشرون سنة أيها الإخوان من سنة 1882 - 1908، أمّةٌ حائرةٌ أذهلتها مفاجأة الاحتلالِ ومفاجأةُ الهزيمة، أمّةٌ أصبحت ولا جيش لها، أُمَّةٌ يعاون وزراؤها جيش الاحتلالِ، أمّة شرّد أحرارها واضطهدوا وأُبعدوا عن شَعبهم،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015