يستشير اللورد كرومر، فيغضب الخديو الفتى، ويرسل إليه كتابا بإقالته، ويأمرُ حسين فخرى بتأليف الوزارة في 15 يناير سنة 1893 وتتألّف الوزارة، وإذا كرومر يأتي في 17 يناير بعد يومين يحمل إلى الخديو برقيةً من وزير خارجية بريطانيا، يُعارض في تعيين فخرى باشا، وتذكر حَقّها في اختيار الوزراء طبقا لما تأمر به برقية جرانفيل. وتحدث الأَزمَة، ويعاند الخديوى ويصرُّ على حقوقه، ويشيع الخبرُ في الناس، فإذا الشعبُ كُلَّه يهبُّ هبَّةً واحدة حتى الموظَّفون، ويمضي إلى سراى عابدين وفودًا بعد وفودٍ مؤيدّة للخديوى في موقفه. ويومئذٍ استيقظت بريطانيا، ولم ترد أن تتراجع، وآثرت أن تعودَ إلى الحزمِ مَرّة أخرى، وتشبثت بإقالة وزارة فخرى باشا وسترًا لانهزامِها أمام سخط الشعب. وأرادتْ أن تترضّى الناسَ، وهي تطوى الغيظ عليهم والتربُّصَ بهم، فاستبدلتْ بفخرى باشا رياض باشَا مرّةً ثانيةً، ليمثل الفصل السادسَ من المسرحية المهلكة، وذلك في 19 يناير سنة 1893. وظلّ رياض سنة كاملة في الوزارة، وبريطانيا تتربّص. ففي 18 يناير سنة 1894 سافر الخديوى في رحلته إلى وادي حلفاء، وعرضت فرقة من الجيش المصري يتولاها بريطانى، فلاحظ بعض النقص في نظامها وتدريبها، وانتقد نظام الجيش كله، فثار كتشنر وعدّها إهانة له وللكرامة البريطانية، وثارت معه بريطانيا كلّها وطلبت الحكومة البريطانية أن يعتذر الخديوى، وخاف رياض فنصح الخديوى بالاعتذار، وقد كان، طلب رياض، ولكن الخديوى أسرّها له في نفسه، ويبسَ الثرى بينهما، فاستقال رياض.
19 - كان هذا الحادث قَتْلًا للروح التي ظهرت في الشعب عند إقالة مصطفى فهمي، وظَهَرَ له جليًّا أن الخديو أيضًا لا يستطيع شيئًا أمام هذه القوة القاهرة، وعرفت بريطانيا أثر ذلك في الشعب، فأسرعت بفرض وزارة نوبار باشا في 16 إبريل سنة 1894، ليعود لإذلال الشعب مرّة أخرى، وإرغامه على التسليم بقوة بريطانيا التي تعزلُ من تشاء، وتوَلّي من تشاء. ولم يلبث نوبار أن فَرضَ تعيين أول مستشار بريطانى لوزارة الداخلية، صارت له الكلمة العُلْيا في الوزارة وعَيَّن المفتشين الإنجليز، وكاد يلغى سلطات المديرين المصريين. وردًّا