يتمَّ تلويثه، وإظهارُ عجزه على عيون الشعب. وقد تم لها ما أرادت وإذن فليستقل، فاستقال بعد تعيين سكوت بثلاثة أشهر، وانزوى كما انزوى شريف من قبل.

17 - لقد مضت الآن تسع سنواتٍ على هذه المسرحية التي يشهدها الشعبُ ليستكين ويخضَع. ولم تجد بريطانيا أثرا ظاهرًا لتلويث هذين الرجلين وامتهانهما، ولم تجد شعبًا ينكر إذلاله بهذا الأرمنى نوبار، وإذن فقد آن الأوان للإتيان بمصري آخر كانت بريطانيا تعلمُ أحسن العلم أنه يرضى كل الرضى بالسعى في خدمة بريطانيا العظمى مهما كلّفه هذا السَّعْى، وأنه سامع لها ومطيعٌ كما تشاء وفيما تشاءُ. ولقد كانت تستطيع أن تفرضه منذ أوّل يوم دخلت فيه مصر، ولكنّها لم تفعلْ، لأنه ذخيرةٌ ادَّخرتها حتى تتمَّ معالجة هذا الشعب وترويضَه على قبول الواقع، وبعد أن يفقدَ بعض إيمانه بجدوى المُقَاومة، وبعد أن تطمئن إلى أنّها بلغت الغايةَ في اختبارِ إرادته وثقته وعزيمته. ويبدأ الفصل الخامِسُ من المسرحية، فيؤمر مصطفى فهمي، وزير الاحتلال الأعظم، بتأليف الوزارة في 14 مايو سنة 1891. وهذا الرجل هو الذي قال فيه ملنر "إنّه أول رئيس للوزارة المصرية يشارك الإنجليز عواطفهم غير متحفّظٍ". وكانت بريطانيا تستطيع كما قلتُ أن تفرض هذا الرجل على مصر منذ أول يوم، وكانت تستطيع أن تجعل حُكْمها في مصر حُكْمًا مباشرًا على يده! نعم كانت تستطيع، ولكنّها لم تكنْ تريد، لأنها تنظر إلى المستقبل البعيد، وتهيئ لهذا المستقبل كل الأسباب والأحوال التي تؤازره على البقاء الطويل، طبقًا لما ترسمُه وما تريده.

18 - ثم حدث شيءٌ لم يكُنْ في حسبان بريطانيا، فخرج منه شيءٌ جعلها تعرف أنّها أخطأت في حسابِ هذا الشعب وفي تمييز قُوَّته وعظمته وكوامن نفسه. مات توفيق في 7 يناير سنة 1892، وفي عهد وزير الاحتلال مصطفى فهمي، وولى بعده عباس الثَّانى الشابُّ. وظلّ ساكنًا سنة كاملةً، حتى إذا مرض مصطفى فهمي في 5 يناير سنة 1893 أرسل إليه يحرّضه على الإستقالة مراعاة لصحّته، فيردّ وزير الاحتلال بأنه سيفكّر في الأمر، وأنه خير لسموّ الأمير أن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015