يأبَى، لا لأنه ممن يؤمنون بمقاومة الاحتلال، أو من الذين يعملون عملًا صادقًا في مقاومته، بل لأن مسألة السودان "بَغْى ظاهر لا يستره شيءٌ".

15 - ويأتي الفصل الثالث، وترى بريطانيا أن خروج شريف وإباءَ رياض، لم يُثرْ غضبة هذا الشعب الذي غاب عنه أَحرارُه وأسودُه. فتتعمَّد إذلالَه إذلالًا سافرًا لترى ما وراءه. وتأْتى بأرمنىّ خبيثٍ، ممن ابتليت بهم مصر كما ابتليت بسائر الأجانب. فيتولّى وزارة مِصْر نوبار، ويقضى في السودان بما تُرِيد بريطانيا، وتجدُ بريطانيا شعبًا ساكنًا لا يغيّر عليها ولا يثورُ. فتلقى حَبْلَ هذا الأرمنىّ على غاربه، يعيث ما شاءَ أن يعيث في وزارته من يناير سنة 1884 إلى يونية سنة 1888. ويختلفُ هذا الأرمنى مع توفيق لأسبابٍ تافهة، فيستقيل، ولا تبالى بريطانيا أن تنصر من نَصَرهَا وسار في خدمَتها. ولماذا؟ لأنها لا تأمن أن يطولَ إذلال الشعب بهذا الأرمنى، فتسوء العاقبة. ثم هي تريد ما هو أفْعَلُ من مجرّد الإذلالِ -تريد أن يشهَد الشعب المسرحية التامة التي تفقده ثقته بنفسه وبرجاله.

16 - ويبدأ الفصل الرابع. هذا الذي انتصر لشريف في مسألة إخلاء السودان ورفض الوزراة أين هو؟ لقد مضى على هذا الإخلاء أربع سنوات، لعله نَسِىَ، ولعلّه لا يرى الآن بأسًا في قبولها، ولعلَّه يظنُّ كما ظنّ شريف أنه سوف يرفع عن بلاده شيئًا من هذه الغاشية، وأن يردّ عنها بعض شرور الاحتلال، بالتعاون مع الاحتلال. وصدق حدسُ بريطانيا، فإذا رياض باشا لا يأنفُ أن يؤلف الوزارة، مغالطًا نفسه، ومغالطا عيون نَظّارة الشعب. ويظل رياض ينزلق في هَوَى بريطانيا الخفي وكيدها المسموم، ويلوّث نفسه تارة ويَغْسِلُها أُخرى، ويتورطُ في أشياء تضرُّ مصْر، فتكافئه بريطانيا بأن تأذن له في عمل يقابله يظنّ أن فيه مصلحة ظاهرة لمصر ويسمرّ يفعلُ ذلك، وتستمرّ بريطانيا في كيدها له ولشعب مصر من يونية سنة 1888 إلى مايو سنة 1891. وذلك حين جاءه الأمرُ الملزم بتعيين مستر سكوت مستشارًا قضائيًا. فينفر رياض من هذا العدوان، ويأبى ويصرُّ على الإباءِ، ثم يلين على مضضٍ، ثم يستسْلِمُ، وتكرهُ بريطانيا هذا التلكؤ، فهو كان خليقا أن يعلم كما علم شريف من قبل، أن برقية جرانفيل توجب على الوزراء وغير الوزراء أن يسمَعُوا ويطيعُوا. ولقد صبرت بريطانيا عليه ثلاث سنوات حتى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015