المبادئ الحرّة الملائمة لهيئتنا الاجتماعية والسياسية" يعني "مجلس النواب" و"الدستور".
وقد خُدِع شريفِ بنفسه وببريطانيا، فقد ظنّ أنه يستطيعُ أن يفعل شيئًا، وأضمرت بريطانيا أن تبدأ بتلويث هذا الرجل الذي كان نصيرًا لعرابي أو نصيرًا للدستور -كما يطلبه عرابي- وأستطيعُ أن أقولَ إنّ شريفًا كانتْ فيه غفلةٌ شديدةٌ، لولاها لقاوَم بريطانيا بدلًا من أن يتعاون مَعَها على يد الخديو الذي زعمت بريطانيا أنها جاءت تثبت له دعائم عرشه. وظلت بريطانيا تطوى الرجَل وتبسُطه سنة ونصف، حتّى جاءت الساعة، فإذا هي تستطيع أن تستغني عنه وأن تسقطه من حسابها جملةً واحدة. ولكنْ بعد أن تعاون مَعَها، وبعد أن ألف الشعبُ تعاونه معها، وبعد أن رَجَا الشعبُ أن تُرْفَع عنه نقمة الاحتلال على يد هذا الرجل الذي عارضَ الخديو وعارضَ عرابي، وبقي مع ذلك موضع ثقتهما في الأزمات. ففي 7 يناير سنة 1884 رفض شريف إخلاء السودان كما طلبت بريطانيا، فإذا وزير خارجية بريطانيا "جرانفيل" يرسل برقية إلى مصر هي أغرب بل أوقح برقيّةٍ في تاريخ الحياة السياسية المصرية يقول فيها: "من الضروريّ أن يتخلّى عن منصبه كل وزيرٍ أو مدير لا يسيرُ وفقًا لسياسة بريطانيا". وتؤكد البرقية أيضًا "أن حكومة جلالة الملكة -البريطانية طبعًا- واثقةٌ من أنّه إذا اقتضت الحالُ استبدال أحد الوزراء، فهناك من المصريين، سواءٌ من شغلوا منصب الوزارة، أو شغلوا مناصبَ أقل درجةً -من هُمْ على استعداد لتنفيذ الأوامر التي يصدرها إليهم الخديو، بناءً على نصائح حكومة جلالة الملكة"، استقال شريف غضبًا للسودان، ولكنه طُردَ في الحقيقة طردًا لا كرامة فيه، وخرجَ لم يَفْعَل شيئًا مما كان يرجوهُ الشعب، وخابَ رجاءُ الشعبِ في رجُلٍ من رجالاته، وبقى شريف ساكنًا لا يستطيع أن يحرّكَ سكونَ هذا الشعب المسكين، وانزوى بين جدران بيته.
14 - ويبدأ الفصلُ الثاني من المسرحية التي يرادُ بها إذلالُ الشعبِ وتوهينُ عزمه، وتبديدُ ثقته في رجاله. فيستدعى رياض باشَا إلى تأليف الوزارة، ولكنه