الأولى، ضربةٌ سريعةٌ تستعين بريطانيا بالزَّمن على نيل غايتها منها -وهي أن لا يكون لمصر جيش إلّا صورةٌ من الصور، وأنتم تعلمون كيف تم هذا، وإلى أي مدّى وُفِّقت بريطانيا في تحقيق غايتها إلى هذا اليوم.
13 - نظرت بريطانيا بعد دُخُولها، فإذا هي أمامَ شعبٍ هُزِم في معركةٍ كان يشتركُ فيها شِيبُه وشُبَّانه وفقيرُه وغنيُّه، وجاهِلُه وعالمه. فلا قِبَلَ لَها بأنْ تصدمَه صدمةً واحدة بإظهار الاحتلال العسكرىّ الصَّارِخ في أبغض مظاهِرِه، خشيةَ أن يثورَ بعد قليل ثورة جائحة. ولكن لابُدَّ من إضعافِ ثِقَة هذا الشعبِ بنفسه وبرجاله وبحكَّامه دون أن يجد غضاضةً مُرّةً تشمئزُّ منها النفوس، ولابُدَّ من أن يأتي ذلك على مراحِلَ، وأن تستمرَّ هذه المراحِل حتى تظفر بالسلطة كاملةً غير منقوصة. فتظاهرت بريطانيا بالعفّة عن الاستيلاء على مقاليد الحكْم كاملة، ونصحت توفيق بأن يستدِعي رجُلًا -كان منذ سنةٍ واحدٍ- فيما يعرف الناسُ جميعًا، نصيرًا لعرَابى باشا، إذ جاءَ على إثر ثورة الجيش، فتولّى الوزارة بمعونة العرابيين، وتحقّق على يديه كثيرٌ مما يريدون، وهذا الرجُل هو شريف باشا. وأرادتْ بريطانيا أنّ تختار هذا الرجل بعينه، لأن الشعب كان يعرفُه، ويعرف إخلاصَهُ لبلاده، وحبَّه لخيرها، وإشفاقَه عليها. وعلمتْ بريطانيا أنَّه لن يتردّدَ طويلًا إذا استدعِىَ في هذه المحنة الماحقة، لأنه سوفَ يظنُّ أنه مُسْتطيعٌ أن يدفعَ بعض الشرّ عن بلاده. فإذا جاءَ فمجيئُه يسكّنُ ثائرة النفوسَ الجامحة، ويجعلها تصبِر حتى تنظُر ماذا يفعل، ومجيئُه أيضًا يخفف وقع الاحتلال العسكرىّ، وسيقول الشعبُ: هذا رجُلٌ كان قريبًا إلى عرابي يتعاونُ مع الغُزَاة، إذن فلعلَّهم راحلونَ ولعلهم أرادوا بعضَ الخير كما يزعمون. ويأتي شريف في أغسطس (?) سنة 1882 ليتولّى الوزارة، معلنا في كتاب تأليفها أنّه جاءَ وغايته صيانة البلاد "ونجاحُ الوطن ماديًّا وأدبيًّا، وتعميم المعارف، ونشر لواءِ العدالة، وتوسيع نطاق