وبلادهم، ويهدمُ أركان الحرية في كُلّ عمل وفي كل مكانٍ- ولكنهم مع كُلّ ذلك يظنُّون أنفسهم سَواعِد تبنى لا مَعَاول تهدم.
11 - وقد استطاعت أمّ الاستعمار، أم الخبائث -بريطانيا العظمى- أن تجمعَ في احتلالها لبلادنا من ألوان الخداع والتغرير والنفاق والعبث بالضمائر والنفوس ما لم تجمعه لأمة غيرنا. فمن الخيرِ لنا أن ننظر في تاريخنا إلى أساليب الاستعمار كيف كانت، وما هي الغايات التي سعى إلى إحرازها، وما هي الأحوال التي جاهد في سبيل إيجادها، حتى تيسَّر له أن يخفّف صور الاحتلال العسكرىّ الذي يملأ عليه القلوبَ نقمةً ومرارة، فذلك أحرَى أن يعصمنَا من الزلل في تفسير سياسة الاستعمار، وأن يعصمنا من طريقٍ وبيلةٍ نسيرُ فيها إلى هوَاه -عُمْيًا ونحنُ ندّعى لأنفسنا الإبصار، أو يَجْعَلُنا نخرّب بيوتنا بأيدينا ونحن نظن أننا نعمّرها. ودراسةُ هذه الأساليب هي خلاصة المحنة التي مَرَّتْ بنا، يجبُ أن نعرفها تمامَ المعرفة، ويجبُ على كُلّ منّا أن يذكرَها في كُلّ ساعةٍ وأنْ يقرأ على هُدَاها كُلّ خبرٍ، وأن يطبّق فحوَاها على كُلّ ما يرى وما يَسْمع، ويجب أيضًا أن يذيعها بين الناس في كُلّ مكانٍ، وبين كُلّ طبقة من طبقات الشعب. فهي تفسّر له ولنا هذا البلاء الذي نعيش فيه اليوم، وهي التي تقينا كل فتنة جديدة من فتن هذا الاستعمار.
12 - دخلتْ بريطانيا بلادنا غازية في سبتمبر سنة 1882، وادَّعتْ أنها جاءت لكي توطّد لنا أركانَ عرشنا، وتطفيء نار الفتنة العرابية كما يسمّونها، وزعمتْ أن بقاءها لن يطول، وأن مصيره إلى الجلاء القريب. بيد أن بريطانيا المستعمرة انتهزت الفرصة الأولى لتضرب ضربة حاسمة، فلم تمض خمسة أيام على دُخُولها حتّى ألغت الجيش المصريّ، ومزّقت البحرية المصرية، وأغلقت مصانع السلاح، وسرّحت الجنود، وجرّدتْ الضباط الصغار من رتَبهم، وقدمت كبار الضباط للمحاكمة، ووضعت الشرطة كُلَّها تحت سيطرتها المباشرة، وتتبَّعَتْ الأحرار الذين اشتركوا في الثورة، فقبضت عليهم أو شردتْهم، حتى يخلُو لَها الطريق، فلا يجدُ الشعبُ من يستجيشه إلى الانتقاض عليها. هذه هي الضربة