عجز عن أن يفعل فِعْلَ الهِرِّ فيما وصفنا من حركته، وخليق أن يستدل أيضًا بما بدأ به في شعره من ذكر صممه وذهاب سمعه، على أنه ضعف ضعفًا مبينًا ذهب بقوته، فبلغ أرذل العمر، ونسيه الموت نسيانًا تامًّا، أو كما يقولون. ولما كان ذلك كذلك، وكان المستوغر عندئذ غير مطيق أن يفعل فعل الهر المحترش، وظننت أيضًا أن المطيق لهذه الشيطنة، هم العفاريت من بنى بنيه، أجريته على ما جرى عليه كلام العرب من "القلب"، لأنه هنا بين مفهوم من سياق الشعر، ومن صفة المستوغر وعمره، ومن بديهة الفطرة، وأظن أن الأستاذ يذكر مَثَلَهم المضروب في قلب الكلام عن وجهه وهو: "أدخلت الخاتم في إصبعى"، ومثله قول القائل:

كانت فَرِيضة ما تقول كما ... كان الزِّناء فريضة الرَّجْمِ

أي: كما كان الرجم فريضة الزناء. والفريضة: الحد المفروض عقابًا ونكالا. وقول الأخطل:

مثل القنافذ هدّاجون، قد بلغت ... نجران، أو بلغت سوءاتِهم هَجَرُ

والسوآت هي التي بلغت مدينة هجر. وهو مذهب لا يحاط به في كلامهم. ولم أفهم اعتراض أستاذنا على "لاعب"، وإيجابه أن يقال -إذا صح ما ذهبنا إليه، وهو صحيح! - "ولاعبه بالعشى بنو بنيه". فالذي أعلمه، والله أعلم، أن قولك "لاعبت الصبى" معناه: لعبت معه، وسواءٌ عندئذ أن تكون أنت البادئ باللعب وهو مستجيب، أم يكون هو البادئ وأنت مستجيب. ولو ذهبنا مذهب الأستاذ لقلنا في قول العرجى:

مثل الضفادع نَقَّاقون وحدهم ... إذا خَلَوْا، وإذا "لاقيتهم" خُرْسُ

إنهم لا يخرسون حتى يكون اللقاء منك، فإذا كان اللقاء منهم لم يخرسوا. وتصير العربية عجبًا في لغات الناس. وأما ما تبع ذلك من قوله إنه كان ينبغي عندئذ أن يقول: "يلاعبونه وودوا لو سقوه"، فيدخل فيما دخل في السابق. على أنى أرى أجود الروايتين ما ذكرته في التعليق "يفديهم وودوا لو سقوه"، أي هو عليهم بنفسه، وهم يتمنون موته بل قتله بسم يجرعونه إياه بأيديهم. أما ملاعبة الجدود التي ذكرها وظن الشعر يستقيم بها، فربما صحت في جد بلغ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015