وأذيلت كرامتها في 19 ديسمبر 1914، وأرسلت بريطانيا أول مندوب سام يحكم مصر تحت ظل الحماية، فخرج وكيل الجمعية التشريعية يستقبل هذا المندوب في محطة مصر يوم 9 يناير سنة 1915، وكان مما قاله سعد يومئذ على مسمع من المستقبلين: "إن دلائل الخير بادية على وجهه" وأمّل أن يجزل الله لمصر الخير على يده! ! كما نُشِر في جريدة المقطم يوم 11 يناير 1915، فلا تكاد تمضي أيام حتى ينشر حافظ في يناير 1915 قصيدته التي يقول فيها (2: 82) مخاطبًا المندوب الجديد:

أَىْ مَكْمَهُون قدمت بالـ ... ـقَصْدِ الحميد وبالرعايهْ

ماذا حملتَ لنا عن الـ ... ـمَلك الكبير وعن (غِرايه)

أَوضِحْ لمصر الفرقَ ما ... بين السيادة والحمايَهْ

ثم يمضي على سننه في هذا الكلام الرفيق الرقيق الذي كان كأنه ترجمة شعرية للكلمة التي قالها وكيل الجمعية التشريعية، ثم يسأل العميد الجديد أن يتعهد هو وقومه أرض مصر بالرعاية، وأن يحسنوا عليها الوصاية! ! إلى أن يقول في غزاة بلاده:

أَنتم أَطباءُ الشُّعُو ... بِ وأَنبلُ الأقوام غايَهْ

أَنَّى حللتم في البلا ... دِ لكم من الإصلاحِ آيهْ

وعدلتمُ فَملكتمُ الدُّ ... نيَا وفي العدل الكفايهْ

إن تنصروا المستضعَفيـ ... ـين فنحن أَضعفهم نِكايَهْ! !

وَاذُلّاه! فأي شيء أبقى لبريطاني أن يقوله في تسويغ احتلال مصر، وفي الدعوى العريضة التي لا تزال بريطانيا تدعيها على كل شعب وقع تحت سلطانها الباطش؟ !

ونحن قد سقنا هذا للدلالة على موضع الدَّخَل في شعر حافظ وفي عزيمة نفسه، ولو طلبنا أن نذكر شعرًا مما تكون فيه نفحة من الوطنية لوجدنا شيئًا، ولكنه إذا مُحّص وُجِد غير صحيح على التمحيص. وغير ذلك أننا لم نكتب هذا لنجمع ما قاله من الشعر مما فيه ذكر لمصر أو لما حدث فيها، بل أردنا أن نعرف

طور بواسطة نورين ميديا © 2015