"هي أمة تلهو وشعب يلعب"! لم تكن لحافظ مندوحة عن أن يقول هذا القول، فإنها عادة "سيئة" من عاداته لم يزل يرددها في شعره ما استطاع، كأنه ترك هجاء الناس ووكل بهجاء هذه الأمة، لتكون كلماته عونّا للغزاة حين تذيع وتثبت وتجري بها ألسنة الجهال والمنافقين وشذاذ الآفاق الذين نزلوا مصر مع الاحتلال البريطاني. وقد كان ذلك، فمن منا أخطأه أن يسمع هذا المثل المضروب! ! مرات كثيرة في كل مجال قول أو دفاع عن مصر؟ وأقول عادة، لأن حافظ قد أطال الطعن في هذا الشعب على غير هُدًى، فإذا كان يريد به إيقاظ النفوس، فيا سوء المسلك الذي سلك، وإلا فهو يريد الطعن وحده ولا شيء غيره. وهو في سنة 1904 قبل دنشواى يقول: (1: 256)

فما أَنت يا مصر دارَ الأريبِ ... ولا أَنتِ بالبلد الطيّبِ

يقولون في النشء خيرٌ لنا ... ولَلنَّشْءُ شرٌّ من الأجنبِي

وكم ذا بمصرَ من المضحكاتِ ... كما قال فيها أَبو الطَيّبِ

وشعبٌ يفرُّ من الصالحات ... فرار السليم من الأجرب

أيجوز لي أن أعلّق على هذا الشعر بشيء إلا أن أقول إن حافظا نفسه كان أشد على مصر من هذا النشء الذي ذمه، وأنه ابن هذا الشعب الذي يفر من الصالحات؟ ولست أدري كيف أنتصف من هذا الرجل، فإن كل كثير في أمره قليل. وهو بهذا الكلام وأمثاله قد نفى عن نفسه خيرًا كثيرًا كان هو أحوج الناس إليه في حياته وبعد مماته.

ولست أدري أيضًا ما الذي كان يحمل حافظًا، حتى بعد أن جاوز الأربعين واستقر عيشه وصار رئيسًا للقسم الأدبى بدار الكتب، على أن يرمى بنفسه في غمار هذه الأشياء التي تجلب عليه المذمة والنقيصة، فإن كان يطلب الرزق فقد كفى الرزق، وإن كان يطلب الترقية ليزداد شيئًا إلى شيء فقد كان له سبيل غير سبيل الشعر. ويخيل إليَّ أحيانًا أن حافظًا كان أذنًا يذهب حيث يذهب به من يواليه ويلوذ بكنفه، فقد كان سعد زغلول في ذلك الحين الوكيل المنتخب للجمعية التشريعية وكان حافظ صديقًا له ونديمًا، ثم أعلنت الحماية على البلاد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015