ثم لا تنس أنه يخاطب الإنجليز ويذكر لهم ولاء مصر وودادها! !

خفّضوا جيشكُمْ وناموا هنيئًا ... وابتغوا صيدكُمْ وجوبوا البلادَا

وإذا أعوزتكُمْ ذاتُ طوقٍ ... بين تلك الرُّبَى، فصيدوا العبادَا

إنما نحنُ والحمامُ سواءُ ... لم تغادر أطواقنا الأجيادَا

ثم يطلب من الطغاة إحسان القتل إذا ضنُّوا بالعفو، وأنه لا يليق بالقوى أن يتشفى من ضعيف أسلم إليه قياده، ثم يقول:

إنّ عشرين حجّةً بعد خمسٍ ... عَلمتنا السكون مهما تمادَى!

إلى آخر ما قاله في هذه القصيدة، وهو كلام لا غناء فيه ولا يمكن أن يعد في جيد الشعر الوطني، فإن فيه من المغامز ما لا يقوم له شيء من عذر أو سواه، بل أكبر من ذلك كله أن هذا الفتى الشاعر لم يلبث أن نشر قصيدة أخرى في 5 أكتوبر سنة 1906 يستقبل بها اللورد كرومر عند عودته من مصيفه بعد حادثة دنشواى (2: 22) يقول في مطلعها إنه لا يريد بها شيئًا أكثر من أن يعاتب اللورد ويقول له "علمتنا معنى الحياة"، ثم لا يزال يفيض في كلام رقيق سهل حتى يقول له ويذكر ولاء المصريين للبريطانيين! !

رفقًا عميد الدولتين بأمّةٍ ... ضاقَ الرجاءُ بها وضاق المذهبُ

رفقًا عميد الدولتين بأمّةٍ ... ليست بغير ولائِها تتعذّبُ

كن كيف شئتَ، ولا تَكِل أرواحنَا ... للمستشارِ فإن عدلَكَ أخصبُ

فاجعل شعاركَ رحمةً وموَدّةً ... إن القلوب مع الموَدّةِ تكسبُ

إنها نصائح غالية يهديها هذا الفتى الشاعر الوطنى إلى الغازى المتغطرس الذي لم تسلم من شروره زاوية في أرض مصر، لكي يكسب قلوب المصريين وينال مودتهم وإخلاصهم له ولبريطانيا، فما أعجب وما أغرب! ! ثم هل يكتفي هذا الفتى ويمسك لسانه عن القول؟ كلا بل هو يبسطه أشد البسط في أوجز قول وأخصره، يصف قومه وما هم عليه فيقول للورد العظيم:

وإذا سُئِلتَ عن الكنانة قُلْ لهم: ... هي أمّةٌ تَلهو وشعبٌ يلعَبُ

واستبقِ غفلتَها، ونمْ عنها تَنْم ... فالناسُ أَمثال الحوادث قُلَّبُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015