الرزق، فإنه -رحمه الله- قد لقى عنتًا شديدا من ضيق ذات يده في نشأته وفي صباه وفي أكثر شبابه. ولكنه لم يخل شعره أحيانًا قليلة من إحساس وطنى يدفع الشاعر أن يقول شعرًا فيه نفحة من الوطنية، ولكنه شعر على غير نهج وإلى غير هدف، بل كان إذا جاءه القول قال. واستقر في نفسه أن ذلك حسبه من الشعر الوطنى فيما يظن ويتوهم.

وكان في حافظ عيب آخر ضلله وزاغ به عن طريق الحق، ووقع به دون الاهتداء إلى النهج الذي يكون به الشاعر صاحب شعر وطنى أو قومى، فقد كان إنسانًا مذعور القلب في غير ذعر، قليل الحمل للمشقة وتكاليفها، كثير الشكوى والتبرم من أهون شيء، فكان إذا جاءه شعر فيه شيء يخشى أن يؤخذ عليه، آثر السلامة فطواه وأبى أن ينشره، كما روى ذلك أكثر الذين عاصروه وصاحبوه، ولما نشر هذا الشعر بعد وفاته كان أفرغ من أن يخافه إنسان من عامة الناس فضلا عن شاعر من خاصة المجاهدين! ثم إن هذا الذعر في غير ذعر كان يحمله على اختيار مناسبات يقول فيها شعرًا تبرأ الوطنية منه، ولا يقوله إلا شاعر متكسب أو خائف أو مقتول إن سكت، كان يقوله وهو يعلم كما يعلم أنه لن يأتيه بخير كثير ولا قليل، ففيم كان عناؤه وكده ذهنه إذن؟ فأي شاعر اهتدى إلى الحق يخطر على باله أن تموت ملكة بريطانيا التي كان زمنها بلاء مصبوبًا على بلاده، فإذا هو يرثيها ويعزى قومها الذين غزوا بلاده وساموها الخسف، وأي خسف؟ هو الخسف الذي شهده حافظ بعينيه وأبصره بباصرتيه! ونشر هذا الرثاء الغث في يناير سنة 1901، والذي لن يسمعه أحد إلا قومه المساكين، وهو كان يعلم ذلك حق العلم، ولذلك يقول في أولها: "أعزى القوم لو سمعوا عزائي" ولو سمعوا عزاءك لفعلوا ماذا أيها الشاعر الرقيق القلب؟

ثم لما ماتت ملكة بريطانيا التي تعرف في تاريخهم باسم فكتوريا، ولى المُلْك بعدها في يناير سنة 1901 إدوارد السابع، فإذا الشاعر المصري ينبري بعد أكثر من عام فينشر في أغسطس سنة 1902، يهنئ ملك الغزاة البريطانيين بتتويجه بقصيدة مطلعها (1: 18):

طور بواسطة نورين ميديا © 2015