كان من البديهي أن ينبعث هذان الشاعران إلى باب من الشعر حقيق بأن يسقط عنهما عبء الجهاد العسير في السياسة أو في الثورة أو في الجماعات السرية التي تعمل لاستنقاذ الوطن الأصغر وهو مصر والسودان، وتحرير الوطن الأكبر وهو ديار العروبة والإسلام، كما فعل رجال كالأفغانى وتلاميذه ومن جاء بعدهم. وهذا الباب من الشعر هو الذي يؤثر الكتاب أن يسموه الشعر الوطنى أو الشعر القومى. وقد عرف الرجلان ذلك وأراداه، وأدركا أن عليهما فرضًا وطنيًّا لابد من أدائه على وجه من الوجوه، ولذلك كثر في شعرهما ما قالاه في المناسبات الوطنية قديمها وحديثها. وليس عليك إلا أن تتصفح ديوان شوقى ثم ديوان حافظ، فتعلم أنهما شاركا مشاركة تامة في ذكر الأحداث السياسية العظيمة التي عاصراها. وكان حقًّا عليهما أن يعرفا أن هذا الضرب من الشعر إنما هو جهاد في سبيل بلادهما وفي سبيل سائر الأوطان العربية والإسلامية، وكان حقًّا عليهما أن يحرصا عليه حرصًا شديدًا، لأن الأمم العربية والإسلامية كانت يومئذ تتحرك وتغلى، وكان وطنهما مصر مُهَاجَر كل مضطهد ومأوى كل مهضوم، وكانت هي نفسها تغلى غليانًا شديدًا عميقًا لقرب عهدها بنعمة الحرية المسلوبة في سنة 1882، ولأن الغاصب كان يومئذ جبارًا متغطرسًا شديد الوطأة، لم ينشِّئْ بعد ذلك الجيلَ المستكين إليه، العاملَ على مرضاته، القانعَ بالوظيفة، الراضىَ بخسيس الجهد في خسيس الرزق.

وهذا الضرب من الشعر الوطنى الذي قصداه أو ظنا أنهما قصداه كان بلا ريب شيئًا جديدًا عليهما وعلى الشعر في زمانهما، فهل استطاعا أن يعرفا طريقهما إلى إنشاء أسلوب لهذا الشعر غير الأسلوب الذي درج عليه شعر الحماسة وشعر المناسبات.

أما "حافظ" فما أظنه فعل شيئًا ولا كان في طوقه أن يفعل شيئًا، ولذلك قصر شعره على المناسبات يقول فيها، وكان قليل المحصول من تاريخ هذه الدنيا، فاتر النفس في عالم مضطرب، مُسْتَغْرَقًا في همم صغارٍ لا تنزع به إلى ثورة ولا إلى تحريض على ثورة، وكان إلى آخر حياته حريصًا على أن يكون مكفيّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015