إصلاح تعليمها، وتيسيرها على أهل العصر، وتبسيطها لهم حتى يدرك منها الرجل من عامة الناس ما لا يزال يجد العوائق دونه جمة مستعصية.
وقد أراد الدكتور وافي بكتابه "اللغة والمجتمع" أن ينقل إلى العربية صفوة ما انتهى إليه الرأي في شأن القوانين التي تسير عليها لغات الأرض قاطبة من حيث هي إحدى الظواهر الاجتماعية على اختلاف ألسنة البشر والناطقين بها. وقد قسم دراسته هذه ثلاثة أقسام: الفصل الأول في تطور اللغة وارتقائها. والفصل الثاني في صراع اللغات بعضها مع بعض. والفصل الثالث في تفرع اللغة الواحدة إلى لهجات ولغات.
ففي الفصل الأول طوى المؤلف جمهرة العوامل والمؤثرات التي تعمل في تطور اللغة من حالة إلى حالة أعلى أو أسفل، وهذا الفصل هو أهم الفصول في أمر اللغة ففيه تكمن العوامل الاجتماعية والأدبية والطبيعية واللغوية التي كان لها أكبر شأن في تحول اللغات من لهجة إلى لهجة، ومن أسلوب إلى أسلوب، ومن لغة إلى لغة. ودراسة أسرار هذه العوامل ودراسة آثارها بعد الاستقصاء والتحقيق، لها خطر أي خطر -لا في معرفة التطور اللغوي وحده، بل أيضًا في استخراج أشياء من اللغة نفسها بعد تطورها تتيح للباحث أن يقف على أحوال الشعب الذي كان يتكلم بها، من حيث الحضارة والثقافة والأدب، والأخلاق، وسائر أسباب مدنيته، وتكشف له الغطاء عن علاقاته بالأمم التي جاورته أو احتلته أو عقدت بينه وبينها أواصر الرحم والقربى، وما كان بينهما من تبادل الثقافات والتجارات والفنون وما سواها.
فمعرفة القوانين التي تخضع لها اللغات في تطورها أمر لا غنى عنه لمن يريد أن يصور تاريخ الأمم الماضية بصور أقرب إلى الواقع. فما أكاد أرتاب في أن علم التاريخ وحده علم "قاصر" لم يلم كل الإلمام بما ينبغي أن يشتمل عليه من الحالات الاجتماعية السائدة بين الناس، والتي لها فيما أظن أكبر الأثر في حضارة الأمة، ولعل أثرها في ذلك أعظم وأخطر من أثر الأحداث التي عنيت أكثر كتب التاريخ بجمعها واستيعابها.