تطور إلى علو أو سفل، وتبعًا للأغراض التي تقتضيها طبيعة التبدل التي هي سنة من سنن الله في الحضارات والمدنيات. ومن أجل ذلك نشأ علم جديد يبحث عن هذه القوانين التي تشمل طبائع الألسنة المختلفة في العصور المتطاولة، وهو الذي في شأنه ألف الدكتور وافي كتابه "اللغة والمجتمع".
ولا شك أن علماء العربية القدماء لم يؤلفوا في هذا الباب كتبًا قائمة برأسها. وليس معنى هذا أنهم لم يكونوا يعرفون شيئًا من هذه القوانين التي انتهى إليها بحث المحدَثين. كلا، بل كان في كتبهم ما يدل على أنهم ألموا بأطراف من هذه القوانين وساروا في بعض أبحاثهم سيرة من يدرك حق الإدراك طبيعة تلك القوانين ومقتضياتها. ولكن كل ذلك من عملهم كان شيئًا مبعثرًا في كتبهم وفي مطاوى كلامهم، ولم ينتهوا إلى إفراده بالتأليف على النسق الذي انتهى إليه المحدَثون، وتركوا لمن يأتي بعدهم جهد الإبداع فيما أشاروا إليه أو ألموا به، وكان من أعظم من تعاطى القول في بعض ذلك في تضاعيف كلامه، فيما أعلم، الجاحظ أولا، ثم أبو علي الفارسى، ثم تلميذه إمام العربية أبو الفتح بن جنى، في كتاب "الخصائص"، وفي كتاب "سر صناعة الإعراب"، وفي كتاب "المحتسب في شواذ القراءات" بيد أن انتثار القول هنا وهنا يجعلنا نقضى بأنه لم يكن عندهم "علمًا" ولا "فنًّا"، بل كان بابًا من المعرفة غير مضبوط ولا محصور ولا مترابط.
أما العلماء المحدثون -من غير أهل اللسان العربي- فقد تدارسوا ما يختلف على اللغات أو أكثرها من تغير وتبدل على مدى عصور متطاولة، فانتهوا إلى شيء كثير من هذه القوانين التي يخضع لها اللسان في أمم كثيرة، وصارت اللغات عندهم ظاهرة من الظواهر الطبيعية تدرس على حدتها، دراسة استقصاء للأطوار التي مرت على مفرداتها ونحوها وإعرابها وبيانها. أما عندنا في العربية فقل ما ألف من الكتب فيها وندر من شغل نفسه بتتبع مثله في مدارج العربية من أول أمرها إلى يومنا هذا. ولعل رجلا أو رجالا لو تتبعوا ذلك في بلاد العرب كلها أن يهتدوا إلى كثير من وافى هذا الفن فيسدوا بذلك إلى العربية في العصر الحاضر خيرًا كثيرا في