على أنه أداة لاستخراج الرزق من الحياة، كما يحمل صاحب الفأس فأسه لاستخراج الرزق من الأرض، أما إن حملت القلم على أنه أداة البيان، وآلة العقل، وزينة النفس، وسر الطبيعة المركبة في سر الإنسانية، فأنت والله تحفي قلمك، وإنك لتبدأ عاملا جاهدًا مشتعلا، ثم لا تلبث أن تمل، فإذا مللتَ فما أيسر أن تنطفئ.
ولتعلم -علمك الله الخير- إن فرق ما بين القلمين في هاتين الإرادتين، كالفرق بين من يحمل السيف على أنه آلة النصر غصبا وحربا، ومن يحمله احتياطا، حتى إذا وجد الدنيا تضيق بسلمه وحيلته ورفقه، فما يجد إلا أن ينصب السيف، ثم يحرر ذبابه (?) إلى قلبه ثم يتكئ عليه حتى يموت انتحارًا. فأنت إذا حملت القلم تريد البيان، ولا تريد من قلمك إلا البيان: لا تحفل رزقت به أم لم ترزق، فقد كتب عليك أن تبقي في شقاء القلم وتعبه، حتى إذا طالبتك الحياة بحاجاتها وضروراتها، فزعت وتلفت ودرت ودارت رأسك حتى تعلم أن القلم استخدمك في بيانه طائعا، وأنك لا تستطيع أن تستخدمه في أسباب الرزق طائعا ولا عاصيًا. فإذا مضيتَ على ذلك لا تبالى واحتملت شقاء الضرورة وكابدت طغيانها وأبيت إلا القلم وحده مبينا كاملا عادلا، فقد أبيت إلا أن تنتحر.
إن صاحب القلم كصاحب العقل، فإذا أبى صاحب العقل أن يخضع عقله في الحياة لبعض غرورها، وأن يجعل في عقله مكانا لحماقاتها، شقى بالنقص في حياته إذ رضى بالتمام في عقله. فإذا أبى صاحب القلم أن يتهور، في بعض ما ينخسف من أبواب الكتابة، وأن ينحط في بعض الأودية الغامضة البعيدة عن طهارة البيان الحقّ، فما بد له من أن يتهور وأن ينحط في سعير الحيرة والقلق والضيق والشقاء المريض. . .
وأنا أسألك: كيف تجدك تشقى وتعانى وتتألم، ولا تزال من فزع إلى فزع، ثم تجد القلم إذا حملته وأنت على هذا البلاء -مطيعا ريضًا سهلا سمحا