المخلف من عصور آبائنا الأمجاد. . . كلا، كلا، بل اختلفت أنظارنا (نحن) إلى هذا الميراث النبيل بالهزء والسخرية والاحتقار، فصارت الناشئة منا إلى ازدراء ما ورثنا من علم وفن وأدب ودين، وشريعة اجتماعية، وفضيلة أخلاقية، واندفعت إلى ما بهر أبصارها من مدنيات الأمم، وارحمتاه لنا. . . إن الضعف قد أيقظ في الإِنسان الشرقي الطبيعة المنتكسة، الطبيعة (القردية)، طبيعة التقليد على غير هدى في بصيرة النفس، والفرح بغير انبساط في حرية العقل، والفكر بغير تأمل في عواطف القلب، والعمل بغير ضابط من قلب أو عقل أو بصيرة. وأي خير يرجى لمثل هذا الإِنسان الذي لا تحركه إلا أدنأ الطبائع، وأحطها مرتبة عن الإِنسانية العالية السامية التي يجب أن تتفوق في الإِنسان المهذب على الإنسان الوحشى المريض فيه.

أكتب هذه الكلمة، وأنا أعلم أن عمل الصحافة اليوم قد خرج عن أن يكون مقالا أدبيًّا يكتبه أديب متمكن، أو قطعة فنية يصورها فنان مبدع، أو قصيدة درية تتلألأ على الذرى العالية، ليسمو الشاعر برواته وقرائه إلى أحلامها الجميلة الرائعة، تحفها أناشيد النفوس الرقيقة التي عذبها الأسر في السجن الآدمى المسمى بالجسد، إني أعلم، وأعلم أن الحياة المدنية الحاضرة قد اقتسرت الناس على خطة مالية لا يعرف فيها ما قال فلان، ولكن، ما ملك فلان؟ إني أعلم، وأعلم أن الجمهور قد اعتنقته هذه الحياة إلى طريقة هازئة ساخرة فهو لا يقدر إلا ما يجد له لذة طارئة تهز النفس هزتها الأرضية. . . وما يبالى بعدُ باللذة الخالدة التي تبقي حلاوتها في النفس بالتأمل، وفي العقل بالتفكير الحر، وفي القلب بالعاطفة المتفجرة التي تملأ إنسانية الإِنسان عذوبة وريًّا، ثم حنانًا ورحمة.

إني أعلم هذا. . . ولكني أعلم أيضًا أن الصحافة الأدبية الشرقية قد اندفعت في طريق ليس لها أن تسلكه، أو تصر على المسير فيه. إن هذه الصحافة قد بلغ بعضها فيما بلغ مرتبة أعظم الصحافة في العالم، ولكني أجد الحق والعدل أكرم عندي من صداقة الأصدقاء. إني أجل كل عمل، وأقدر كل عامل، ولكني أجل أمتى وتاريخى، وأقدرهما بما يفوق كل عمل وكل عامل. . . إن صحافتنا التي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015