بصداقته، سوف نرصد قوانا كلها لإيقاظ الفكر العربي والإسلامي في مصر والحجاز والشام والعراق والمغرب وسائر بلاد العربية والإسلام. إن هذا الفكر إذا جدد تاريخه القديم وبدأ بدءه أثبت هو الآخرُ أن (العاقل) في العربي إذا انتبه، انتبهت فيه كل الحقائق العادلة في الحياة العقلية والاجتماعية، وكل الأحلام الجميلة الوديعة التي تتندّى على النفس العاملة المجهدة بالراحة والسكينة.

* * *

إني أكتب كلمتى هذه من هذا المكان، وقد انبسطت تحت عينيّ خريطة رقعة من الأرض ما بين المشرق والمغرب، أهلها إما عرب قد انحدروا سلالة أمة تاريخية قد حازت من المجد كل غال وكريم، وإما مسلمون من غير العرب قد اندمجوا في العرب بإسلامهم فكانوا منهم واستبقوا خيرات المجد العربيّ، وأعانوا على إبداع الحضارة العربية الإِسلامية بقلوبهم وأيديهم وعقولهم غير مقصرين ولا متخاذلين.

إن هذه الرقعة من أرض الله كانت يومًا ما نبراس العقل والعلم والحضارة، بل كانت منبعَ الفيضِ الإنسانيِّ السامى المتفوّق، بل كانت مَعبدَ الرحمة والعدل والحق، والسموّ بالطبيعة الإِنسانية إلى عنان السماء المشرقة بفضائلها وأخلاقها. كانت كذلك حين كانت القوة في هذه الشعوب ميراثًا لا يضيعه وارثٌ من وَرَثته، فلما رمينا بحب الخمول والكسل انفلتت أسباب القوة من أيدينا، وانفتل كل خير، وكل مجد، وكل فكر سام، إلى من يستطيع أن يحوزه ويحرص عليه ويقوم على تربيته ليربو بين يديه. القوة، القوة .. إنها الفضيلة الأولى في حياة الإنسان الحي، القوة. . . إنها عصب الحرية الكاملة التي تعمل بنقائها لتطهير الحياة البشرية من أدران الذل القذر الذي يجعل الحياة جيفة منتنة على الأرض.

إن هذا الطاعون الوبئ الذي انتشر في الشرق، وفي الشرق العربي والإِسلامى خاصة، طاعون الضعف، قد فتّ كل خير فينا وأحاله إلى فساد، فاختلفت الأنظار إلينا هازئة ساخرة بنا .. كلا .. بل هازئة ساخرة بالمجد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015