اتخذنا أساسها من أسس الصحافة الغربية، لا تنفعنا ولا تجدى علينا إلا بقدر لا يكفي ما نطالب به ونجاهد له. إن هذه الأمم التي أخذنا عنها، واهتدينا بها، وشرعنا على منهاجها. . . أمم قد بلغت شعوبها من مرتبة الحرية والقوة ما أوحى إلى صحافتها بالنهج الذي يجب أن تنهجه في تتبع إرادات الشعب، واستغلال أهوائه وشهواته لمصلحتها ثم للذته. فلذلك كانت هذه الصحافة متعة المستمتع، وكان فيها لذة الضعيف ولذة القوى معًا، وكان فيها ما ينفع وما يضر، ما يهدم وما يبنى. . . لأن استفحال القوة وامتلاء النفس والعصب والروح والقلب بآثارها وأصولها، لا يجعل الشعور بما يضعف أو يضر أو يهدم شعورًا تاما يوقظ النزاع لمقاومة هذه العوامل الهدامة ودرء آثارها، وأيضًا لأن القوة تحمل على البغي، وتجعل الاعتقاد فيها والإِيمان بها نفيًا للمبالاة والاكتراث من نفس الإِنسان القوى.

أما نحن فإن السبيل علينا مختلف، والغرض الذي من أجله ننشيء الصحافة جد مباين لأغراض الصحافة الأوروبية. إن صحافتنا صحافة شعوب ضعيفة خاملة متهدمة، شعوب قد فقدت فضيلة القوة وكل أسبابها العاملة، وافتقدت نور الحرية النبيلة المترفعة على الشهوات، وبذلك صار من حقها على الصحفي أن ينظر نظرة متأملة متعمقة نافذة شاملة، لينهج لها النهج القويم الذي يرد إليها ما فقدت، ويوجدها ما افتقدت؛ ويعمل لها عمل الأب الرحيم لولده الضعيف حتى يشب ويستحكم.

وأنا حين فكرت في بعث "العصور" واحتمال تكاليف الحياة الصحفية، لم أُلْقِ كثير بال إلى مشقة المال وهو أصل في قوة الصحافة، ولا في النصب الذي يهد الجسد لأن الروح يجب أن تبقى مستعلية بشبابها على عجز البدن، ولا في الآلام التي سأحملها في كل شيء، لأن الآلام هي التي تجدد عزم الإنسان، وتدفعه إذا عرف كيف يحتملها مبتسما راضيًا. لم أفكر في هذا ولم ألق بالى إليه، وإنما فكرت في المبدأ الذي يجب على أن أحدده لنفسي تحديد الذي يريد أن يشرع في عمل ينتظم، وفي الغرض الذي يجب أن أسدد إليه كل سهم من سهامى في هذا العمل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015