بالمعاني الفطرية للحروف، وبالحركات التي لجأ إليها الإنسان الأول فقرنها بالحروف للدلالة على معنى ليس يقومُ الحرفُ على بيانِه كلهِ إذا أفردَ وحده للتعبير عنهُ.

ولقد رمينا إليك -في الكلمة السالفة- طرفًا من القول في حروف الاستفهام والنداء والتعجُّب والإشارة وما يجرى إليها من معنى الضمائر، ثم في الكلمات الثلاثية المضعَّفة التي اجتمع عليها في التضعيف حرفان حلقيان وهي"أحّ" و"أهّ" و"أخ"، ثم كشفنا عن معانيها بعض الكشف. فالآن نستقِلُّ بك إلى حروف الحَلْق المشتركة مع حروفٍ أخر من حروف اللسان. ولن نستوعَب كلَّ ذلك، فإنهُ يقتضينا -إن فعلنا- شرح اللغة كلها على مذهبنا، وهذا إن اجتمع في كتاب فجمعهُ في مقالٍ يتعذَّر مرَّة ويثقُلُ على قارئه أخرى.

فلو أخذت الهمزة وبدأت بها في قولهم: "أبَّ"، "أتَّ"، "أثَّ"، "أجَّ"، "أدَّ" "أذ" "أرَّ"، "أزَّ"، "أسَّ"، "أصَّ"، "أضَّ"، "أطَّ"، "أظَّ" "أفَّ"، "أكَّ"، "ألَّ"، "أمَّ" "أنَّ"، "أيَّ". وقد أمضينا القول على "أحَّ"، "أخَّ"، "أهَّ"، "أنَّ"، "أع"، "أغ"، "أأ" مما تجافوا عنهُ وتركوهُ وأهملوهُ لعلل ذكرنا بعضها، كما أسقطوا أيضًا "أقَّ"، وذلك لأن هذه "القاف" -كما علمت من أوَّل مقال لنا- هي الحرفُ الذي يلي مخرجهُ مخرج الحروف الحلقية، فهو الحرف الثامن بعد الحروف السبعة الحلقية المبدوء بها في ترتيبنا. فإذ كانت الهمزة أشدَّ الحروف مطالبةً بالانطلاق وحافزها أقوى حوافز الحروف الحلقية فاتباعها بالحرف الذي يدانى اللَّهاة وأقصى اللسان ويرتطم بالحنك الأعلى ويتردد فيهِ جاسيًا غليظًا متعسرًا (?)، يكون مثقلًا على النطق، ثقيلًا في السَّمْع. وأيضًا فإن القاف -هي في ترتيب الحروف الشديدة التي وصفناها لك- تلى الهمزة، وهي أول هذه الحروف الموصوفة بالشدة ثم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015