حية تسعى. فإذا قدر لهذه الحيات أن تبلغ الغاية التي مسخت لها؛ فلن يتم ذلك حتى تكون الأرض العربية والإسلامية كلها خرابًا من البشر الأحرار؛ خرابا تعمره العُمَّار من أفاع وحيات وأصلال (?).

من مخافة هذا اليوم كنت أكتب قديمًا ما استطاع هذا القلم أن يكتب، ثم وجدتني فجأة في موج متلاطم من الضلالات، تتقاذفه ضلالات العلم المكذوب، وضلالات الرأي المدلس، وضلالات السياسة الخداعة. وإذا الأرض من حولي تعج بترتيل مظلم مخبول؛ وإذا السماء من فوقى تهتف بتسبيح كالح مزور؛ وإذا صوتى يضيع في سمعى؛ فهو إذن في أسماع الناس أضيع؛ وتردد في صدري شعر الحكمى؛ فاستمعت له وسكت:

مت بداء الصمت خير ... لك عن داء الكلام

إنما السالم من ... ألجم فاه بلجام

فلما دعوتنى فأجبت، انقلبت أسائل نفسي: فيم أكتب؟ فيم العناء والنصب؟ علام أزهق أيامى في باطل لا ينقشع؟ إن بيني وبين الأسماع والأبصار والقلوب، حجابا صاخبًا من غماغم الدجاجلة، وهماهم الأفاكين، وثغاء أهل (?) الغش، وضغاء (?) أخدان النفاق. . . ويذهب قولى باطلا ويضيع صوتى مختنقا، ولم أجن عندئذ من حياتى إلا شقاء يقول فيه القائل: "إن الشقىَّ بكل حبل يُخْنَقُ"، حتى حبل الحق والصدق! حتى حبل الحق والصدق! .. وإنك لتعلم: أن لو أنى عرفت للكتابة ثمرة، لما توقفت ساعة، ولما أبطأت دون ما وجب على.

بأي لسان أستطيع أن أفتق للناس أسماعا غير الأسماع التي طمها الكذب المسموع؟ وبأي قلم أستطيع أن أسلخ عن العيون غشاوة صفيقة لبسها بها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015