الكذب المكتوب؟ وبأي صوت أستطيع أن أنفذ إلى قلوب ضرب عليها نطاق من الكذب المسموع والمكتوب؟ بأي لسان، وبأي قلم، وبأي صوت؟ ولكنه، على ذلك كله واجب، وإن كان جهدا لا ثمرة له! وهو كذلك، وإذن فليس لي أن أسأل نفسي: فيم أكتب؟ ولم هذا العناء والنصب؟ وعلام أزهق أيامى في باطل لا ينقشع؟

وإذن فقد كُتب على أن أنصب وجهي لهذا الشقاء الصَّيْخود، لا أبالي أن أحترق، ولا أحفل أن أعود سالما، ولا آبه لما يصيبني، مادام حقا عليّ أداؤه. إنها أيام بلاء ومحنة من عدونا حيث بلغ منا كل مبلغ، ومن أنفسنا، حيث صار كل امرئ منا عدو نفسه وعقله، عدو تاريخه وماضيه، عدو مستقبله من حيث يدرى ولا يدرى. إنها أيام ضلال وفتنة، تدع الحليم الركين حيران بلا حلم ولا ركانة، تدع البصير المهتدي أعمى بلا بصر ولا هداية، تدع الصادق الحازم غفلا بلا صدق ولا حزامة. ولكنها على ذلك كله، كُتِبت على الحليم الركين، وعلى البصير المهتدى، وعلى الصادق الحازم -أن يعيش في شقائها بلا ملل، وأن يكون فيها كما قال شاعر الخوارج، عمران بن حطان، في أهل الدنيا:

أرى أشقياء الناس لا يسأمونها ... على أنهم فيها عراة وجُوَّعُ

فمنذ حملت إليك هذا القلم، استجابة لدعوة لم أجد ردها من الأدب ولا من الوفاء في شيء، عرفت أنى سوف أكتب كما كتبت قديما، لأتعجل انبعاث رجل من غمار أربعمائة مليون من العرب والمسلمين، تسمع يومئذ لحكمته الأجنة في بطون أمهاتها، وتهتدى بهديه الذرارى في أصلاب الآباء والأمهات.

ولكنك بعد، قد أنزلتني بحيث يقول القائل:

حيث طابت شرائع الموت، والمو ... تُ مرارا يكون عذب الحِياضِ

فأنا إن شاء الله بحيث أحببت لي أن أنزل، والسلام

طور بواسطة نورين ميديا © 2015