وكيف وقد نزل عليه من ربه نفاقهم وكفرهم، ونهاه أن يصلى عليهم، وبينهم له بأعيانهم، فمعاذ الله أن يسمى رسول الله أحدًا من المنافقين الذين يعلمهم "صاحبًا". فمن سوء الأدب أن يقول مسلم: "فعبد الله بن أُبَيّ من أصحاب محمد كما ينطق الحديث"؛ ومن قلة المعرفة بالعربية أن يقولها قائل، ومن التسرع البغيض أن يلجأ إليها باحث، ومن ضعف المنطق والفهم أن يحتج بها محتج. فهي حكاية قول يخشى أن يقولوه، لا تسمية له باسم الصحبة. أعوذ بالله من الخطل! ورحم الله العرب ولسانهم!

أما ما حاول الأستاذ أن يجعله تحديدًا لمعنى الصحابي، وهو ثلاثة أرباع مقاله، فأظننى لم أفهمه، ولم أدر ماذا كان يريد أن يقول ثم أخطأه. وأظن أنه أراد أن يقول في كل ما كتب: أن الصحابى هو الذي رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسمعه وآمن به ولازمه ومات على إيمانه، ولم يرتد. ولم يشهد له رسول الله بنفاق أو لم يُذْكَر فيه حكم خاص من رسول الله. وهذا حق، إلا أن الأستاذ أدخل شرط الملازمة، وهو باطل من وجوه كثيرة، لا أطيل بذكرها. ومع ذلك فإني أؤكد أن معاوية ممن صاحب رسول الله منذ رمضان سنة ثمان من الهجرة إلى أن توفي بأبي هو وأمي - صلى الله عليه وسلم - في ربيع الأول من السنة الثانية عشرة من مهاجره إلى المدينة. وأما أبوه أبو سفيان فقد ولاه - صلى الله عليه وسلم - نجران وصدقات الطائف، ورسول الله لا يولى منافقًا! ! وأما عمرو بن العاص، فلا أظن الأستاذ يستطيع أن ينكر هجرته ومصاحبته وبلاءه في الإسلام، وأما هند فأسلمت يوم أسلم زوجها أو بعده بيوم في سنة ثمان من الهجرة. وهجران الأستاذ لمعرفة تاريخ هؤلاء الأربعة، عادة اكتسبها من الكتب التي يقرؤها، كتب تُكْتَب بلا بينة ولا حذر ولا معرفة.

ولا أظن أني قرأت كلاما لم أفهمه، كالذي قرأته في مسألة الصحابة، وإن كان الأستاذ بالطبع يظن بكلامه غير ما أظن، ولكني أنصحه مرة أخرى أن يلتمس العلم في كتب من يُلْتَمَس عندهم العلم. وإذا كان يخشى على دينه -ومعذرة من ارتداء مسوح الوعظ والإرشاد- فليأخذ أمر دينه عن ثقة في تمييز الصحيح من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015