فتح باب الهجرة للأفاقين واللصوص والمجرمين من كل جنس وملة، وأطلقتهم على هذا البلد الأمين يعيثون في أرجائه فسادًا، وحمتهم بامتيازاتها وامتيازات الدول، ويسرت لهم أن يعيشوا عيشة البذخ والرفاهية إلى يوم الناس هذا. وقد ذكر السير ستافورد أن مصر كانت في زمن هذه الحرب الأخيرة "تستمتع برخاء غير طبيعي في عدة وجوه، على حين كانت بريطانيا على النقيض تمامًا، فقد كانت مجبرة على الإتفاق عن سعة في الخارج خلال فترة الحرب، لحماية نفسها وحماية الديمقراطية في العالم"، وهو يعلم أحسن العلم أن هذا الرخاء لم تعرفه مصر ولا المصريون، ولا السودان ولا السودانيون، بل عرفته الجاليات من الأجانب الذين عاشوا في مصر أو الذين وفدوا على مصر. وهو يعلم أحسن العلم أن الذين تسميهم بعض الصحف تندرًا بأغنياء الحرب، وترمز إليهم برجل مصري يلبس لباسًا محدثًا عليه، ليسوا سوى فئة قليلة إذا قيست بالآلاف المؤلفة من الأجانب الذين عقدوا الأموال وجمعوها وصاروا شيئًا بعد أن لم يكونوا إلا حضيضًا موطوءًا، وأنا أعرف مئات من هؤلاء الأجانب كانوا يعيشون قبل الحرب عيشة الكفاف بل عيشة الصعاليك، فإذا كلهم قد أصبحوا من الثروة والعزة بحيث إذا رأيت أحدهم ظننت أنه قوة إلهية تمشي على الأرض المصرية لتستذل هذا الشعب المصري، وكأنها لم توجد ولم تخلق إلا لهذا وحده. وبقى الشعب المصري أسوأ حالا مما كان فيما قبل سنة 1882، فما الذي فعلته بريطانيا؟ وما دعواها في إصلاح هذه البلاد؟

وهذا كله بين لكل مصري، وهو أشد بيانًا ووضوحًا في عيني السير ستافورد كريس، ومغالطته قى الحقائق التي يعلمها لا هدف لها إلا أن تدل على أنه سياسي بريطاني حقًّا؟ !

ثم ما هذه الروابط الثقافية التي يرجو أو يزعم أو يحقق السير ستافورد أنها كفيلة بأن تغطي هذا النزاع بين الدولتين: بين الدولة المتغطرسة المستبدة التي تحتل بلادنا، وبين الشعب المسكين الذي ظل خمسًا وستين سنة يجاهد في نيل استقلاله والتمتع بحرية الدولة المستقلة؟ لقد أغنانا السير ستافورد عن طلب الدليل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015