بأن ذكر عدد الطلاب الذين أكرمت بريطانيا وفادتهم في هذه السنة ففتحت لهم أبواب جامعاتها. ولسنا ندري كيف يرجو السير ستافورد أن يكون هؤلاء الطلبة الذين درسوا في بريطانيا عاملا في حل النزاع السياسي بين مصر وبريطانيا؟ ولكنا نعلم يقينًا أنه ما من شاب نعرفه ذهب إلى بريطانيا وعاد إلى مصر وهو مصري القلب واللسان إلا وهو مظلوم مضطهد في هوة من هوى النسيان، وأنه ما من شاب نعرفه منهم عاد إلى مصر وهو يبرأ منها بلسانه وقلبه وجوارحه إلا كفلته بريطانيا ومهدت له حتى يتبوأ المنزلة التي تنبغى لمثله. ونحن لا نحب أن نسمى أحدًا باسمه، ولكني أعرف أن آلافًا غيري يعرفون أحسن مما أعرف، وعندهم من خبر ذلك أوثق مما عندي. أفهذا هو التعاون الثقافي الذي رمى إليه السير ستافورد؟
لا ريب في أن هذا هو التعاون الثقافي الذي يعنيه، وهو لا يلقى بالا كثيرًا إلى شيء غيره من ضروب التعاون الثقافي لنشر العلم والمعرفة. بل إن بريطانيا نفسها لم تعن منذ دخلت مصر والسودان إلا بهذا الضرب وحده، وما أظن أحدًا يجهل ما كان من أمر البريطانيين يوم دخلوا مصر فمزقوا مدارسها، وعملوا عمل الحريص على نزع كل شيء يفضي إلى تعليم الشعب المصري من يد المصريين، وأصروا على أن يأتوا بداهية من دهاتهم هو دنلوب، ليضع برامج التعليم المصري. فكانت العاقبة أننا بقينا إلى هذا اليوم نرتطم في الأوحال التي قذفنا بها دنلوب، ونعيى عن إصلاح التعليم بعد الذي ابتلى به، وبعد تلك الفئة من الرجال الذين أنشأتهم الثقافة البريطانية وأنشأهم دنلوب على ما يريد وأعطتهم بريطانيا مقاليد التحكم في وزارة المعارف المصرية.
ولم يقف الأمر عند شأن التعليم بعدئذ، بل سار على هذا النهج في كل عمل في الوزارات المصرية، منذ كان وزير الاحتلال مصطفى فهمي باشا إلى هذا اليوم إلا من عصم الله. ومع ذلك فالفساد الذي لحق الإدارة المصرية كلها من جراء هذا الضرب من التعاون الثقافي، قد تغلغل وضرب بجذوره في كل شيء حتى في الاجتماع المصري. وكل هذا بين لا خفاء فيه. ولنا عودة إليه إن شاء الله.