ثم ماذا يعني السير ستافورد بقوله إن العلاقات التجارية والروابط الثقافية كفيلة بحل هذا النزاع السياسي؟ إنها كلمة يلقيها وهو يقدّر كل ما وراءها من سياسة بريطانيا في إذلال شعوب الأرض التي وقعت تحت سلطانها الجائر. فعلاقة بريطانيا التجارية بالبلاد الضعيفة هي أن تجعل رؤوس الأموال مستثمرة في البلاد في يد فئة من الخونة أو فئة من الأجانب، وبذلك تضمن لتجارتها ميدانًا هي صاحبة الكلمة الأولى فيه وتضمن أن يكون لهذه الفئة من الخونة أو الأجانب السيادة التامة على الشعب المستذل البائس الفقير الجاهل، وتضمن أن لا تقوم لهذا الشعب قائمة ما دامت هذه الفئة هي صاحبة القوة المدمرة في الحياة، وهي قوة المال، وتضمن أيضًا ناسًا من هؤلاء الخونة وهؤلاء الأجانب يقولون للبلد الفقير الجاهل البائس الذي سُلب قوة المال: لم لا تفعل أنت مثل الذي نفعل؟ وهم يعلمون أنه غير مطيق أن يفعل، لأن قيادة أخطبوط القوة المالية في أيديهم هم لا في يد الشعب المسكين. وليس في الدنيا شيء هو أوضح من هذه السياسة اللئيمة، فإن مصر والسودان كادت في بحر سنوات معدودة أن تكون أقوى دولة على شاطئ البحرين الأبيض والأحمر، وأعظم دولة في إفريقية، وذلك في عهد محمد علي، وأدخلت من ضروب الإصلاح والتدبير في مجتمعها وفي سياستها وفي صناعتها وزراعتها، ما لا غناء في ترديده الآن، فأبت بريطانيا أن ترى دولة قوية تنازعها سيادة الشرق الأوسط، كله، فألبت عليها الدول حتى حطمت أسطولها في نفارين، ثم تخونتها من أطرافها حتى انكمشت في أضيق رقعة، ثم انتهت إلى احتلال مصر والسودان مرة واحدة في سنة 1882. ومنذ ذلك اليوم وبريطانيا تدعي أنها جاءت لإصلاح أمرنا، فإذا هذا الإصلاح قاصر على أن تطلق يد الخونة والأجانب في مال مصر وثرواتها، وأن تحرم الشعب المصري من كل خير، وتضطهده وتقاتله بأخبث الأسلحة، ثم تتركه جائعًا عاريًا جاهلا لا يطيق أن يدفع عن نفسه. فأي خير جنيناه من هذه العلاقات التجارية بيننا وبين بريطانيا إلا الذل القاتل والإذلال المهين؟
وما الذي فعلته بريطانيا منذ سنة 1882 لهذا اليوم؟ إنها لم تأل جهدًا في