وحرمة الجامعة. فكيف تكون العاقبة إذا خرج مثل هؤلاء على الشباب الناشئين بأمثال آرائهم المقيتة الجاهلة، وعلى رأس كل منهم تاج مكتوب عليه "دكتور في الآداب" أو "دكتور في الفلسفة" أو "دكتور في التاريخ"؟ وكيف يسلط هؤلاء على عقول ناشئة العرب، يفتنونهم بالألقاب والأسماء، وبتعاون هذه الفئة المضللة على نصرة بعضهم لبعض؟
فإذا بقى الأمر على ما ترى في أمر زعمائنا، وفي أمر سياستنا، وفي أمر اجتماعنا، وفي أمر أدبنا، وفي أمر صحافتنا، وفي أمر مدارسنا وجامعاتنا: فكيف نرجو أن نصل إلى غايتنا؟ وكيف يتاح لهذه الشعوب العربية الكريمة أن تتأهب للمعركة الفاصلة في تاريخ العرب؟ وكيف تجتمع كلمة العرب على بلوغ الهدف الأعظم، وهو هدف يرمي إلى إنقاذ الإنسانية كلها من ردغة الخبال (?) التي ألقت بها فيها حضارة ضخمة، ولكنها قد حشيت شرًّا كثيرًا وخبثًا؟
ولو شئنا أن نتقصى ظواهر هذه البلبلة في أشياء كثيرة مما يتعرض لها الشعب مرغمًا أو مريدًا أو مخدوعًا لأطلنا، فما من شيء إلا وقد اختلط فيه الأمر على غير هدى. وإذا شئت أن تقدر سوء ما جنينا من شرها، فجالس من شئت من طوائف الشباب وجاذبهم الحديث، واستدرجهم إلى المناقشة في رأي أو علم أو فن، تسمع العجب العاجب من الخلل في موازين الأشياء، والحيرة المطبقة في تقدير ما يقع تحت أبصارهم وأسماعهم، والعجز المضطرب عن ضبط الرأي، والضعف المطلق عن القيام بحق العقل والإدراك. وأكبر من ذلك كله أنهم أصبحوا لا يرون صاحب رأي إلا وهو دونهم، فلا يسلم من انتقاصهم ونقدهم، فإذا صححت لهم وأردت أن تقيمهم على الطريق استكبروا وأعرضوا، فكيف تأتي أنت فتعلم حامل شهادة الحقوق أو الطب أو الأدب أو الفلسفة شيئًا يستيقن هو في نفسه أنه قد فرغ منه وعلمه علمًا ليس بعده إلا العروج إلى سماء الخلود.
وكذلك الأمر في طبقات أخرى من العلماء إلى الأدباء إلى رجال القلم إلى