فمن شر هذه البلبلة، ما ترى من سوء تدبير الأحزاب السياسية المصرية، فهي قائمة على نزاع دائم في سبيل الحكم، يكيد بعضها لبعض، ويأكل بعضها بعضًا، ولا يرعى أحد لأحد حرمة. وتنشيء هذه الأحزاب صحافة يكون هم محرريها للتشهير بمن يخالفهم في الرأي والمذهب، فيدلسون الحقائق، ويكتمون الحق، ويفترون على الناس الكذب، ويلوون ألسنتهم بالحديث ويحرفون أعمال من يعادونهم تحريفًا لئيما مستهجنًا، كل ذلك ابتغاء مرضاة رؤساء الأحزاب وأصحاب الأمر فيها. هذا، على أن هذه الأحزاب قد نشأت أو أنشئت بغير أهداف مُبَيَّنة للناس تعاهدهم على أن تسعى إليها، وبغير برنامج لإصلاح هذه الأمة التي لم تجد لها نصيرًا من أبنائها، وبغير نظام ينفي عن الحزب الدخلاء والملوثين وذوي الأغراض الخبيثة.
ثم يأتي بعد ذلك نوع من الصحافة يتلبس بالورع، ويتظاهر بالتقوى، ويتخشع بالبراءة من التعصب، ويبدي للناس أنه طالب خير للناس، وأنه مريد لنفع هذه الأمة وعامل على ترقيتها وتهذيبها وهو في خلال ذلك يدس لها سمًّا زعافًا ومنية قاتلة، شيئًا فشيئًا ورويدًا رويدًا وساعة بعد ساعة، حتى لا تمجه الألسنة لأول مذاق، ثم إذا بان طعمه شيئًا لم تستنكره، ثم يستمر حتى إذا دام قليلا ألفته وربت عليه، ثم إذا زادته شيئًا لم يكن إلا طيبا مستساغًا، ثم إذا الناس يطلبونه أو يخيل إليهم أنهم يطلبونه لأنه مما يتصل بأدنأ الغرائز الحيوانية والشهوات البهيمية، ويجند لكل هذا الخبث جمع من الكُتاب الذين ضلوا عن حقيقة أنفسهم، وطائفة من الشباب الذين أفسدتهم المدارس الأجنبية والجامعات الغريبة عن هذه الأمة، وهذا الضرب من الصحافة الخبيثة هو البلاء المستطير الذي لم يجد إلى اليوم من يكشف عن طواياه الخبيثة وأساليبه القاتلة، وعن دبيبه في رأي هذه الأمة العربية دبيب الضلالة في قلب الغرير المفتون.
ثم يأتي بعد ذلك كتاب وعلماء ورجال من أصحاب الرأي ليس في قلب أحد منهم تقوى لله ولا خشية للإثم ولا محبة للحق، فيرى أحدهم الرأي الفطير (?)