أيِّ الناس أنت؟ ولم تقف عند هذا فأبدت الفزع منه لئلا يخونها ما في حنايا ضلوعها فيظهر على لسانها فعادت تقول: ومن تكنْ؟ ولكن أنَّى للمرأة الضعيفة التي زلزلت المفاجأةُ بنيانها أن تكتم حقيقة نفسها؟ لقد كانت منذ هنيهة تسأله سؤال الجاهل من هو ومن يكون، فإذا بها تنهار من شدة ما تعاني من اهتزاز كيانها، فتقول له مقالة الناقد الساخر، محاولة أن تبدى عن احتقارها وازدرائها لما ترى، فزوَتْ عنه وجهها وهي تقول: لو كنت رَاعِيَ إبل لكنت خليقًا أن تنكر النفوسُ والأَعْيُن ما ترى من حقارتك وبذاذتك (?)، فكيف ترجو أيها المحب المغرور أن تكون حسنًا في عين من تحبُّ، وأن تكون زينًا لامرأة أحبتك؟ وهكذا المرأة -إلا من عصم الله. . .

فهم الشاعر المحبُّ مرمى كلامها فأنف لنفسه، فانطلق يسخر منها بعد أن تكشَّف له ضمير المرأة الغادرة. فقال لها: ليس الشحوب على الفتى بعارٍ، ولا خير الرجال سمينها، وإذا كان شحوبي قد ساءك وآذاك حتى أنكرت مني ما تعرفين، فنعم ولك العُتْبى عليَّ. عليك بمن يزينك. اطلبي لنفسك راعي غنم قد اطمأنت به وبها الحياة، فعاش خافضًا وادعا لا همَّ له إلا بطنه، حتى امتلأ وتضلّع وغدا سمينًا بضًّا جميلا كأحسن ما تأملين، فأنتن أيتها النسوة إنما تحببن من الرجال الزينة وحدها، كأنكنَّ إنما تتخذن الرجال حليًا لا أصحابًا ولا أزواجًا. وهكذا المرأة، هي لضعفها يؤثر لحياتها كل ظاهر يدلُّ على القوة فهي تؤثر البدن القوي على البدن الضعيف، وتؤثر اليسر على الخصاصة، وتؤثر القناعة على الطموح، وإن كان قلبها يؤثر بالحب ذلك الضعيف الفقير الطمَّاح الذي أضرَّ به الكدح، ولكن قلب المرأة هو آخِر ما تهتم له إذا جاءها بمن لا ترضاه لحياتها؛ فالمرأة مفتونة بكل ما يدل على القوة الظاهرة، ولا تكاد تبالي شيئًا بالقوة المستكنَّة كالعلم والعقل والجهاد والصبر؛ لأنها تريد أن تحيا حياة مطمئنة محفوفة بما يحسدها عليه النساء سواها لا أن تحيا مجاهدة في عذاب حبيب مجاهد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015