شاك حائر، فإذا لم يستعن في حيرته بالسداد في الرأي وطول التقليب وحسن الاختيار وبالله التوفيق، فإن السؤال سوف ينزع به وَيَنبُثُ (?) عليه ويأخذه ويدعه حتى تتحطم قوته على جبل شامخ قد انغرست فيه أشواك صخرية من الحصا المسنون، ويرجع مجرحًا تدمى جروحه، يتألم ويتوجع ويشتكي قد أعياه الصبر على الذي يلقاه من أوجاعه.
فحاجتنا في البحث عن الحقائق التي يتطلبها هذا السؤال، أن نتدرع بقوة اليقين مما نحن مقبلون عليه من مجاهله ومنكراته، وأن نستجيش للنفس كل ما يزعها ويكفها عن الشك والتردد، وأن نقبل على دراسة أنفسنا بفضيلة المتعلم المتواضع، لا برذيلة المتعالم المتشامخ، فإن بلاء التعلم والدرس هو كبرياء الحمقى وغرور ذوي العناد والمكابرة.
والأمر كله الآن بيد الشعب أفرادًا أفرادًا، فإن العادة المستقبحة في هذا الشرق أنه يكل كل أمره إلى حكوماته التي أثبتت بوجودها إلى اليوم أنه لا وجود لها في حقيقة الحياة الشرقية. فالحكومات لا تستطيع أن تضع في روح الشعب هذا الإلهام الإلهي السامي الذي يشرق نوره على الإنسانية فيجلى لها طريقها، وينفي عنها خبثها، ويغسلها بأضوائه المنهلة من أعراض البلادة وجراثيم التفاني والانقراض.
ليس لشرقي أو عربي بعد اليوم أن يقف مستكينًا يقول لحكومته: افعلي من أجلي ياحكومتي العزيزة! ! بل يجب أن تكون كلمته: اعملي يا حكومتي فإذا أسأتِ فأنا الذي سيصحح أخطاء أعمالك الرديئة! ويجعل كل أحد منا همه ساميًا إلى غاية، وأمله معقودًا بغرض، ويبيت ليله ونهاره يتَدارَس في نفسه وفي أهله وفي عشيرته وفي شعبه، وفي التاريخ النبيل، وفي التراث المجيد حقيقة ما يجب أن يتعرّفه من شُعَب هذا السؤال الواحد: من أنا؟ ؟
والدعوة الجديدة إلى اليقظة الشرقية والعربية والإسلامية يجب أن تقوم على إثارة الشعب كله ليسأل كل أحد نفسه هذا السؤال: من أنا؟ فالعالم والأديب والشاعر والفيلسوف والعامل والصانع وأعضاء الأمة على اختلاف منازعهم ونوازعهم يجب