من الأمم، فإن الفرد هو خلاصة الجماعة وأصل الجماعة. فالأمة تصاب بمثل الفترة التي يصاب بها الواحد منها، ولا يمنع ذلك أن يكون في بعضها ما يخرج على ضرورة هذا العارض من الفتور الذي وصفناه. وعندئذ تتمنى الأمة أن تنزل القارعة لتهز الجو الذي تعيش فيه هزة مدوية مجلجلة، ترمى في سمع أبنائها الصوت الموقظ الذي يفزع عليه النائم ينفض عن نفسه الخمول والأحلام الهائمة والأماني الباطلة المكذوبة.
وقد عاش الشرق من قرون طويلة وهو يجد الحياة من حوله فاترة ساكنة بليدة ميتة الظلال عليه، وجاء بعض أبنائه من سراديب الفكر البعيدة يصرخون ليوقظوا الأحياء الذين ضُرِب على آذانهم بالأسداد، وغشاهم النعاس عجزًا وذلًّا ومهانة، ولكن هؤلاء رجعوا وارتدوا، ولم يسمع الناس، وإنما سمعوا هم صدى أصواتهم وهي تتردد في قفر خراب موحش.
أما اليوم الذي نحن فيه، فقد جاءت الشرق القارعة التي حلت بديار الناس وبدياره، وهو يسمع صليل صواعقها بأعصابه كلها لا بآذانه وحدها، وهو يفيق من نومة طويلة على ما لا عهد له بمثله. فهل يحق لنا أن نؤمل أن هذا الصليل المفزع سيجعل الشرق يلم ما تشعث من حياته ليستقبل حياته الجديدة قد جمع قواه للنهضة والوثبة والانقضاض على أوثان المظالم القديمة التي تُصِبت فعَبَدَها مَن عَبَد ممن خشعوا وذلوا، وطمعوا في رحمة الطواغيت فما نالوا -على أوهامهم- إلا فُتاتًا من موائد هذه الطواغيت المتوحشة المستبدة الطاغية؟
إن الشرق اليوم يجب أن يسأل سؤالًا واحدًا يكون جوابه عملًا صارمًا نافذًا لا يرعوى دون غايته، وهذا السؤال هو أول سؤال ينتزع إنسانية الحي من الموت الفادح، إذا كان الدافع إليه هو رغبة النفس في تحقيق إرادتها تحقيقًا لا يبطل. من أنا؟ هذا هو السؤال؛ فإذا أخذ الشرق يسأل يحاول أن يصل إلى حقيقته المضمرة في تاريخه، فهذا بدء النصر على الأيام الخاملة التي غط غطيطه في كهوفها المظلمة.
ولكن البحث عن الحقيقة هو أبدًا أروع شيء وأخوف شيء، فإن السائل