أن يشعروا في قلوبهم بحاجتهم إلى هذا السؤال، وأنهم موكلون به لا يهدأون، وأنهم دائمًا في طريقهم إلى جمع الحقائق للجواب عن هذا السؤال الواحد.

أما قيام الدعوة على البحث عن طريق الإصلاح وأساليب الإصلاح وتحقيق ذلك بالطرق العلمية. . . إلى آخر ما يقال في هذا الباب من القول، فما يجدى على الأمة شيئًا إلا ما أجدى قديم ما رددوه ولاكوه ومضغوه من الآراء التي عانوا وضعها، فلما وضعوها ماتت في المهد. وليس يمنع البحث عن مثل هذه الأشياء أن نكون أول ما نكون سباقين إلى الأصل الذي يجب أن تقوم عليه هذه الأشياء كلها.

إن الأمم لا يُصلحها مشروع ولا أسلوب من الحكم، ولا باب من الإصلاح، وإنما يحييها أن يكون كل فرد فيها دليلًا -بما فيه من الحركة النفسية- على أن الحياة التي يعيشها هي إثباث لوجوده. ولا يثبت الوجود للحي إلا بقدرته على الاحتفاظ بشخصيته، ولا يحتفظ المرء بشخصيته إلا أن يكون قد استوعب فهم ما يستطيع من حقيقة هذه الشخصية، وهو لا يفهم هذه الشخصية إلا أن تكون كل أفكاره متنبهة لتحليل كل شيء يعرض له، وذلك حين يكون كل همه في البحث عن أشياء هذا السؤال الواحد: من أنا؟

فإذا استطعنا في هذه الساعة الهائلة من تاريخ العالم وتاريخ الإنسانية أن نجعل طبقات الشعوب الشرقية تثور ثورتها على الفتور والجهل والغباء والبلادة وقلة الاحتفال بالحياة، وأن نجعل سلاح الثورة على أحسنه وأجوده وأمضاه في هذا السؤال، فقام كل أحد يسأل مَن أنا؟ فتجديد الحياة في الشرق حقيقة لا مناص للعالم بعدها من الاعتراف بأنها واجبة الوجود على الأرض. وأما إذا انطلقت مع أحلام النوم وفلسفة الأحلام، وجعلنا نلبس مُسُوح العلماء والمفكرين، وجلابيب الوقار والسمت. . . أي البلادة! فقد هلك على أيدينا من كان حقه علينا أن نجعل هذه الأيدي خدمًا في حاجاته ومرافقه.

إن من الهراء أن تأتي مجلس قوم من بلداء المهندسين قد اختلفوا في الأرض: هل تصلح لوضع الأساس أو لا تصلح؟ فتحدثهم أنت أن الرأي أن يتحولوا إلى مكان آخر من صفته ومن نعته. . . مما يصلح عليه البناء! فإن هؤلاء إذا بدأوا أمرهم بالاختلاف على ما يجدون عنه مندوحة، فاعلم أنه لا فلاح لهم، وإنما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015