إن أحدنا لتستبد به في بعض عمره فترات يجد فيها الحياة قد وقفت في دمه كالجدار المصمت لا تميل ولا تنثني ولا تتحول، ويجد النفس متماوتة لا ترف رفة واحدة تشعر العقل أن الحي الذي فيه لا يزال حيًا يعمل، ويجد الدنيا كأنها بساط ممدود يمشي فيه بعينيه، ولكن البساط لا يمنحه حركة من هموده وسكونه وانعدام الحياة ذات الإشعاع فيه. ويتمنى أحدنا يومئذ أن تحل بأيامه قارعة تملأ عليه الزمن ضجيجًا ونزاعًا، عسى أن يتحول كل ما يجده من الفتور إلى نشاط ويقظة وخفة تبعث ميت نفسه من رمس الحياة الخاملة.
وهذا العارض إذا ألمَّ جعل الأيام مقعدة تزحف في زمانه زحفًا بطيئًا مرهقًا كأنها أمسكت على مرفأ الحياة بسلسلة ربوض، ويجعل الحي يعيش في كذب وباطل وفراغ من الروح، أي في حيرة وقلق وملل، فإذا حار وقلق ومل، جاءت أعماله كلها جسدًا لا ينبض نبض الحياة، وكذلك يختلف ما بين الحي وعمله، ويقف أحدهما من الآخر موقف المثَّال العاجز من تمثاله، يقول له: أين أنا فيك أيها التمثال الغبي؟ فيجيبه الصامت البغيض: أين أنت في نفسك أيها الأحمق؟
الحياة هي حركة الروح في العمل، فإذا خلا العمل، فلم تتمثل في كل أنحائه حركة الروح العاملة، فذلك دليل على أن الروح مضروبة بالموت أو ما يشبهه، وأنها قد فقدت شرطها ونعتها وحقيقتها، وأنها إن عاشت على ذلك فستعيش في قبر منصوب عليها في تمثال إنسان. وإذا بلغ الإنسان ذلك أريقت كل إنسانيته على أيامه المقفرة فلا يثمر، فإن يثمر فما يطيب له ثمر، وإنما هو حسَك (?) وأشواك وحطب وكل ما لا نفع فيه إلا أذى وبلاءً عليه وعلى الناس.
وكما يكون ذلك أمر الفرد الواحد، يكون هو أمر الأمة من الناس، والجيل