نشأت من شدة إحساسه بهول الزلزلة طغتْ فلم يستطع المنطق أن يضبط اللغة على قياسها، فهو يريد أن يقول: إنه ورى هذه المدية الصقيلة الذئبية الجائعة المهلكة المجنونة فيرى على حَدَّيْها وصفحتيها من فِرِندها وضوئها ومائها ما ينسابُ ويتريَّق ويتلألأ ويرمي بأضوائه كأنه ضوء جائع يريد أن يلتهم كل ما يلقاه، وذلك قوله: "وأراق جوع الوحش في لهواتها" فقوله: "وأراق" هنا لا توافق المعنى، وقد أوقعه عليها اختلاط "فرند المُدْيَة" -وهو ماؤها- بالمعنى الذي أراده، ولو قال: "يذكى سعار الوحش في لهواتها" أو ما يقارب ذلك لكان أجود. ثم يمضي الشاعر في تصوير ما تخيله -حين فجأت الزلزلة الأناضول-:
والناسُ غَرْقى في السكون سَجتْ بهم ... سِنَة يَنامُ الهوْلُ في سَكناتِها
بَيْنا همُ فَوْق المهودِ عَوَالمٌ ... غشَّى ضبابُ الصمت كل جهاتها
وإذا بقلبِ الأرض يرجفُ رجفةً ... دُكَّ الصباحُ وذابَ في خَفَقَاتِها
وانشقَّت الدُّنيا لديه فلم يَجِدْ ... أرضًا يغيثُ النورَ في رَبَواتها
فَطوَى المدائن والقرَى وهَوَى بها ... في سدْفَة تهوي على ظلماتِها
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وبنى اللحودَ على المهودِ وهدَّها ... فَنَضَا ستورَ الموت عن عَوراتها
زأرت جراحُ الأرضِ فاهتاجَ الردى ... وتنهد الزلزال في ساحاتها
وإذا الذي أتى به في وصف الزلزلة إلى آخر القصيدة شيء هائل مخيف تقشعر