وأنت إذا بدأت القصيدة:
هات الشدائد للجريحةِ هاتها ... فالصبر في الأهوال دِينُ أُساتها
واحشُد صروفك يا زمان فربما ... لهبُ العظائم شُب من نكباتها
ولعلها خمرٌ تدور فيستقى ... خَمْرَ الكفاح الشرقُ من كاساتها
رأيت الأمر والنداء، نداء الفزع الطامي بطغيان أمواجه على إحساس الشاعر، فلم يملك إلا إسلام نفسه إلى اليأس، فيستزيد من البلاء ويطلبه فيقول: "هات الشدائد" ثم يعود فيقول: "هاتها" ليثبت إيمانه بالصبر على هذا البلاء، فهو إيحاء، إذ قد يئس أن يصرف عن إحساسه ما طغى به عليه هول ما سمع من صفة الزلزال. ويَدُلُّك على أن هذا المطلع قطعة من اليأس، عودتُه إلى الشك في هذه الشدائد الموقدة بنارها ولهيبها، والتي زلزلتْ أمة من الناس فكانوا كما قال الله تعالى في صفة زلزلة الساعة: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ}. فكذلك عاد الشاعر يشك بعد طغيان البلاء عليه أن ينقلب كل ذلك الرعب الذي اضطرب به الناس سُكرًا يجزِّئ هذا الشرق المغلوب على الكفاح، في زمن يرمى من أهواله شدائد ترجف بالشرق رجفة كأشد ما رَجفتْ زلزلة الأناضول، فلذلك قال: "ولعلها خمر. . . .".
هي أمةٌ زلزلتَ جَنبَ مِهادها ... ونفختَ ريحَ الموت في جَنباتها
وهذا البيت يكاد يكون الحد الفاصل بين يأس الشاعر الذي طغى عليه حتى أنساه روح الزلزلة التي كانت في إحساسه، وهو نفسه الذي يردُّه مرة أخرى فزعًا ثائرًا متوثبًا تتقاذقه تهاويل إحساسه في رعب بعد رعب.
شَوَّهتَ صَفحتها بمديةِ جازِر ... الرحمة انتحرت بحدِّ شَباتِها
مجنونةُ الحدّيْن لو هي لَوَّحتْ ... لانهَدَّ رُكن الأرض من حركاتها
ذئبية الشهوات جاع حديدُها ... وأراق جوع الوحش في لَهَواتها
وهنا موضع يوقف عنده، فإن المعنى الذي أراده الشاعر، والصورة التي