السن التي هي علة التوقد الدائم والاهتزاز المتتابع تتابع البرق إذا خفق وومض وضرب بعضه بعضًا بسياط من الضوء في عوارض السحاب. . . وأما لغته، فقد ملك منها ما يكفيه بقدر حاجة بعض إحساسه، فإذا امتدت يده إلى خزائن العربية التي لا تنفد، وتداخل في أسرار حروفها بالمدارسة الطويلة، وتآمرت -ثلاثتُها- على تسنية الأبواب له واحدًا بعد واحد، حتى يستطع أن يستوي على سَرارة (?) المرتبة الأولى للشعر غير مدافع.
هذا. . . وإن في كثير من شعره الذي نشره إلى اليوم، ما يجعلني على ثقة -إن شاء الله - من أنه مدرك ذلك لا محالة، فهو قد استولى على كل ما هو به شاعر، ولا أظن ظن السوء بقدر الله أن يكون هو قاطعه دون المنهج الذي تعبَّد بين يديه، ولم يبق له إلا قليل حتى يبلغ الذروة العليا.
وقد قرأت قصيدته (*) الأخيرة في "فاجعة تركيا" -كما سماها- ثم سمعتها، فوجدت لزامًا عليّ في هذا الباب أن أثبت بعض رأيي في الشعر والشاعر، ثم في "محمود حسن إسماعيل" خاصة، ثم في هذه القصيدة، وقبيح أن يجهل مريدو الشعر الجيد هذه القصيدة الفذة، التي تكشف عن السر المستكن وراء هذا الشاعر. وإذ قد عرضنا مرة لبعض الشعر الأسود المظلم، فلا بد إذن من أن نمحو آيته ببعض آيات الشعر المشرق المضئ.
وقد كان "زلزال الأناضول" عذابًا من العذاب الأكبر بأهواله، حتى قالوا إنه أشد ما عرف من الزلازل وأخطرها وأفظعها موقعًا وأثرًا، وقد كان ما تنشره الصحف اليومية من أخباره هولًا هائلًا مفزعًا يكاد يجعل الولدان شيبًا. فلا شك إذن أن يكون هذا الرعب الراجف في إحساس شاعر فزِعٍ "كمحمود" رجفة يُرعد بها رِعدة طائرة مدوية مصلصلة مجلجلة.