يختلف شعر كل شاعر منهم في قصيدة من شعره، وبدندنة تعلو وتخف تبعًا لحركة وجدانه مع كل غرض من أغراضه في هذا الشعر".

هكذا كنت أجد الشعر الجاهلي، قبل أن أنتهي إلى المرحلة التي وجدت عندها منهجا أستطيع أن أعيد عليه قراءة هذا الشعر، وإن كنت قد كتبته بعد انقضاء خمسين سنة. ولكني في سنة 1961، وصفت هذا الشعر نفسه في مقدمة كتاب صديق لي، -رحمه الله- (?) فقلت:

2 - ولقد شغلنى "إعجاز القرآن" كما شغل العصر الحديث، ولكن شغلنى أيضًا هذا "الشعر الجاهلي" وشغلنى أصحابه، فأدانى طول الاختبار والامتحان والمدارسة إلى هذا المذهب الذي ذهبت إليه، حتى صار عندي دليلًا كافيا على صحته وثبوته. فأصحابه الذين ذهبوا ودرجوا وتبددت في الثرى أعيانهم، رأيتهم في هذا الشعر أحياءً يغدون ويروحون، رأيت شابهم ينزو به جهله وشيخهم تدلف به حكمته، ورأيت راضيهم يستنير وجهه حتى يشرق وغاضبهم تربد سحنته حتى تظلم، ورأيت الرجل وصديقه، والرجل وصاحبته، والرجل الطريد ليس معه أحد، ورأيت الفارس على جواده، والعادى على رجليه، ورأيت الجماعات في مبداهم ومحضرهم، فسمعت غزل عشاقهم، ودلال فتياتهم، ولاحت لي نيرانهم وهم يصطلون، وسمعت أنين باكيهم وهم للفراق مزمعون .. كل ذلك رأيته وسمعته من خلال ألفاظ هذا الشعر، حتى سمعت في لفظ الشعر همس الهامس، وبحة المستكين وزفرة الواجد، وصرخة الفزع، وحتى مثلوا بشعرهم نصب عيني، كأنى لم أفقدهم طرفة عين، ولم أفقد منازلهم ومعاهدهم، ولم تغب عني مذاهبهم في الأرض، ولا شيء مما أحسوا ووجدوا، ولا مما سمعوا وأدركوا، ولا مما قاسوا وعانوا، ولا خفي عني شيء مما يكون به الحي حيا على هذه الأرض التي بقيت في التاريخ معروفة باسم: جزيرة العرب".

وأظن، أيها العزيز، أنك مستطيع أن تجد الفرق بين هذين النعتين للشعر الجاهلي ظاهرا علانية، وأن أولهما عليه وسم باد يلوح، يدل على أنه نعت من أثر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015