وحده، يستطيع الفرد المسلم، من أي جنس كان، أن يتخذ من الأصول الجامعة في هذا الدين نبراسا لنمو الأفكار والمبادئ عن طريق النظر والاستنباط من نصوص هدى الكتاب والسنة، وعن طريقها أيضا يتم الاحتكام إِلى الكتاب والسنة عند اختلاف العقول في نظرها واستنباطها، وعن طريقها أيضا نستطيع أن نخلص الثقافة العربية الإسلامية التي نحن ورثتها من كل ما شابها أو خالطها، ونجلوها ونحييها ونحيى بها ونجدد ونتجدد بها، ولا طريق لنا غير هذه اللغة المذهلة التي نحن ورثتها، فإن لم نفعل، وإن لم نعرف طريقنا إِلى إِحياء هذه اللغة في قلوبنا وألسنتنا وحواضرنا وبوادينا ولهوتنا ومدارسنا، فإن أقدامنا ستقودنا إلى طريق مهلكة وضياع.
وقد أبان الإمام الشافعي -رحمه الله- عن هذا المعنى أحسن إبانة، فيما رواه الخطيب البغدادي عنه في كتاب (الفقيه والمتفقه) قال: (لا يحل لأحد أن يفتى في دين الله، إِلا رجلا عارفا بكتاب الله، بناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه، وتأويله وتنزيله، ومكيه ومدنيه، ويكون بعد ذلك بصيرا بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبالناسخ والمنسوخ منه، ويعرف من الحديث مثل ما عرف من القرآن = ويكون بصيرا باللغة، بصيرا بالشعر وما يحتاج إليه منه للسنة والقرآن، ويستعمل مع هذا الإنصاف، ويكون بعد هذا مشرفا (أي مطلعا) على اختلاف أهل الأمصار = وتكون له بعد هذا قريحة. فإذا كان هكذا فله أن يتكلم ويفتى في الحلال والحرام. وإذا لم يكن هكذا فليس له أن يفتى).
ولا تحسبن أن هذا الكلام البارع الذي قاله الإمام الشافعي قاصر على الفتيا في الحلال والحرام، بل هو خاص يراد به العام، كما يقول الأصوليون، فالذي قاله شرط لازم لكل ناظر في كتاب الله وسنة رسوله ولكل مهتد بهديهما، فقيها كان أو فيلسوفا، أو متكلما، أو أدبيا، أو كاتبا أو مؤرخا، أو داعيا أو واعظا، أو ما شئت من العلوم والفنون التي تجمعها (ثقافة) أو (حضارة).
واللغة والشعر -اللذان ذكرهما. الشافعي، وجعلها شرطا للناظر المتكلم في كتاب الله وسنة رسوله، هي لغة العرب الجاهليين الذين تحداهم القرآن بلفظه،