دليل عقلي للاستنباط من الكتاب والسنة، مع تجدد حاجة كل مجتمع إلى هدى يهتدى به، حتى لا يخرج عن الطريق السوى الذي اختاره الله لعباده الذين أسلموا له وآمنوا به وبرسوله ثم لم يرتابوا.

إن الله سبحانه قد جاءهم بالدين الجامع الذي فيه صلاح أمر الدنيا وصلاح أمر الآخرة. ومعنى هذا أن دين الإسلام قد ضمن لكل شعب يدين به عناصر جامعة شاملة للحياة الإنسانية، تتضمن أصولا جامعة في الكتاب والسنة يجب عليه أن يتحرى أفراده العمل بها في ذوات أنفسهم، ويجب عليه أيضا أن يطبقها في مجتمعه، ويجب عليه أيضا أن يلتمس لكل ما يجد في حياته ومعاملاته هديا مستنبطا من الكتاب والسنة، ويجب عليه أيضا أن يلتمس فيها ضوابط تصحح طريق آدابه وعلومه وفنونه وأفكاره ومعارفه. وكذلك ترى أن ثقافة كل أمة مسلمة هي دينها بهذا المعني الجامع لحقيقة هذا الدين الذي انفرد عن سائر الملل بخصائص لم تشاركه فيها ملة من قبل.

ولكن هذا الأمر كله لم يترك سدى، يتناوله كل من دان بهذا الدين على اختلاف شعوبهم وألسنتهم، بلا ضابط يضبطه، كلا فإن كتاب هذا الدين هو كلام الله الذي لا يتبدل في نصه حرف واحد، والسنة المبينة لجمله بجوامع الكلم، هي كلام رسوله الذي لا ينطق عن الهوى. بل هو وحي يوحى وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: (أوتيت الكتاب ومثله معه)، فهما بمنزلة واحدة في وجوب الطاعة لهما، والعمل بهما والاحتكام إليهما عند اختلاف المختلفين. وكلاهما جاء بلسان عربي مبين، فمن آمن بهما وبما جاء به، فهو يعلم علم ضرورة أنه لا مفر له من أن يكون متقيدًا بلفظ كلام الله سبحانه ومتقيدا بلفظ حديث رسوله - صلى الله عليه وسلم -، في طلب الهدى منهما، وفي استنباط المعاني والأفكار والمبادئ والأحكام من كليهما، وفي الاحتكام إلى نفس ألفاظهما عند الاختلاف، كل ذلك واجب في كل زمان ومكان.

وإذن فاللغة التي نزل بها كلام الله وجاء بها حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هي الأصل الأول الذي لا يمكن أن ينفصل عن ديننا ولا عن ثقافتنا، وعن طريقها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015