قامت عليها حضارة سائر أمم الأرض؛ وتناولها المؤرخون بالبحث والتنقيب والكتابة والتصوير.

وإذا كان الهاتف الذي هتف بالناس أنْ: "افهموا الإسلام فهمًا جديدًا" قذف بالمسلمين وبعقولهم وأهوائهم في متاهة لا يعلم غايتها إلا الله وحده، فإنه حين هتف أيضًا بهم أن: "افهموا تاريخ الإسلام فهمًا جديدًا"، أوشك كما قلتُ أن يهوى بتاريخ أهل الإسلام وأئمته في ظلمات مطبقة لا يطلع على خبثها إلا عالم غيب السموات والأرض. وقد مارستُ دعوَى من اتبعوا هذا الهاتف سنين، ولا أزال أمارسها وأتتبعها، فأدركتُ أن شيمة هذا العصر الوبئ، هي الغالبةُ دائمًا على أصحاب هذا الهاتف: من تحطيم، وتدمير، وغلو، وجرأة، وإصرار على التحكم، وضراوة في التهجم، وإغراق في الرجم بالغيب، وإفراط في ثقة المرء بقدرة عقله واعتداده بنفسه. ومن أجل ذلك كرهتُ كلمة التجديد هذه، وأنفتُ لنفسي أن أثق بالألفاظ التي يلقيها كثيرٌ من المتحمسين للإسلام، إذا لم أجد عمل أحدهم وتطبيقه وسيرته ونهجهُ، تؤيد دائمًا دلالة هذه الألفاظ على معانيها. هذا، إذا صحّ عندي أن منبع هذه الألفاظ هو دين الله نفسه، كما نزل في كتابه، بسياقه وبيانه وعربيته غير مؤَوَّل ولا مصروف عن وجهه وكما أوحى إلى نبيه - صلى الله عليه وسلم - في سيرته وعمله وتأديبه وحديثه، وكما جرت به سيرة أصحاب رسول الله، الذين أقاموا دين الله في الأرض، ولزموا طاعة الله ورسوله، وارتضاهم ربهم خلفاء في أرضه، وألزمهم كلمة التقوي وكانوا أحق بها وأهلها.

* * *

ولعلك ترانى شديد الحرص على أن أجعل أخلاقَ الإسلام وآدابَه وسننه وسائر ما يكون به الإسلام إسلامًا، هي الأصلُ الذي لا غنى عَنْه لمن يتعرَّض لكتابة تاريخ أهل الإسلام. وترانى أكادُ أقطع بأن هذا هو المنهجُ لا غيرُه من مناهج البحث، كما تعرف مناهج البحث في العصر الحديث. وأقول لك: نَعَمْ، ونِعمة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015