لأن استشراء ضغائن المستشرقين، واستفحال منهج الحضارة الأوربية في الجرأة على عباد الله بالكذب المتهجم، وادعاء كل مدع ممن يحاول أن يكتب في التاريخ أو يقول: إن هذا هو حق الأسلوب التاريخي -كل ذلك قد مس النفوس والعقول، وأوقع فيها معاني لم تكن لتقع فيها، لو أن حضارة الإسلام وأخلاقه وآدابه وما نبع من هذه الأخلاق والآداب من أساليب العلم والبحث والفكر- بقيت هي السائدة في حياتنا الأدبية والعقلية والعلمية والاجتماعية.

* * *

إن المؤرخين الأوربيين، ثم المستشرقين خاصة، ثم من لفَّ لفهم من المتخطِّفين من فُتَات موائدهم من أهل هذا الشرق العربي والإسلاميّ -يزعمون أنّ للتاريخ منهاجًا أو منهاجين أو ثلاثة أو عشرة، هي كلّ ما يستطيع الباحثُ أن يعتمد عليه في دراسة كلّ تاريخ. وأنا أحبُّ أن أزعمَ أيضًا أن ليس فيها منهاج واحدٌ يصلح لدراسة تاريخ الإسلام، بل أشكُّ كل الشكّ في صلاحه لدراسة تاريخ أيّ الناس كانَ من غير المسلمين. وإذا احتاج المسلمون إلى إعادة كتابة تاريخهم، فحاجتهم لا تنتهي -أو ينبغي ألا تنتهي- إلى الشعور بفقرهم إلى إمام يقتدون به مقلدين، ثم يكونُ هذا الإمامُ منهجًا فاسدًا نشأ في تربة غريبة، ودعتْ إلى نشأته أسباب اجتماعية محدودة، وعلل أخلاقية وعقلية معينة. كلا، فإن تحكيم مثل هذا المنهاج، وفي هذا العصر الذي لوثت ثقافته منابع الفكر كلها وكدرتها، لا يؤدى إلا إلى شيء واحد: هو إفسادُ تاريخ أهل الإسلام إفسادًا يشقُّ إصلاحه. وفي الكتب الحديثة التي كتبها مسلمون متحمسون في هذا العصر، برهانٌ لمن تطلب البرهان، على مقدار ما ينجمُ من الضرر والفساد والعبث والتبديل والتحريف والافتراء، والجهل إن شئت -إذا انطلق كلّ حامل قلم، ليكتب تاريخ أهل الإسلام، على مثل هذه المناهج، وبمثل هذا القصور عن معرفة الحقائق الصريحة في الحياة الإسلامية، وبمثل هذا التقليد البشع للمستشرقين وأكثرهم من اليهود، وبمَثل هذا الإغفالِ الشديد للفرق بين الأصول التي قامت عليها حضارة هذا الإسلام وانفردت بها دون سائر الحضارات، والأصول التي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015