ثم زاد هذا كله بشاعة حين نجمت طائفة المستشرقين، بأحقادها وضغائنها وسفاهة ألسنتها وسرائرها، وبدأوا يكتبون تاريخ الإسلام على أصولهم الفاسدة، ثم قام في الشرق العربي والإسلامي طائفة أخرى من أصحاب الأهواء، من بين مسلم وغير مسلم، فاتبعوهم وناصروهم، وأذاعوا بعلمهم، وأشادوا بمقدرتهم في التقصَّى وكمال مناهجهم في البحث، فنقلوا إلى العربية ثمرة هذه الأحقاد والضغائن، في كتب ألفوها، ونشرُوها وطارت بين عامة المثقفين، يتلقفها الإعجاب بها، والإفتتانُ بأسلوب قصصها وحكايتها وتحقيقها! وجاء هذا مع غلبة الحضارة المسيحية الأوربية حين تم لها سلطانها في أرض الشرق والإسلام، بالغزو الحربى والسياسي والأدبى والعلمي والاجتماعى والأخلاقى والثقافي عامة، فعشش في القلوب ثم باض ثم فرَّخ كما يقول الجاحظ. وانتهى الأمر بالعرب والمسلمين أخيرًا إلى أن يكون مصدرُ ثقافتهم وفكرهم عدوًا لهم من حيث يعلمون ومن حيث لا يعلمون -تجد ذلك في كتبهم ومجلاتهم، وصحفهم، ومدارسهم ومعاهدهم، وفي معاقل دينهم كالأزهر وغيره. فسادَ من يومئذ الافتراء الكاذبُ سيادة تامة في الحياة العقلية والأدبية، وأصبح تاريخ الإسلام وأدبه وعلمه، منظورًا إليه من صميم أهله المتحمسين بعين تبغضُ، وقلب يعرض، ونفس تزورُّ عنه، ولم ينج من غائلة هذا الفساد إلا من عصم الله، وهي قلة قليلة هي اليوم في طريقها إلى الفناء، إلى الانقراض، إلى مصارع الأولين من أهل العلم والفقه والمعرفة.

من أجل ذلك البلاء المستفيض في حياتنا، وفي عقولنا، وفي دراستنا أقول دائمًا: إنه لا يغرنى من أحد دينه، ولا تقواه ولا علمه ولا جهاده ولا فضله ولا عقله، إذا لم يكن ذلك كله نابعًا من كتاب الله، ومن الحياة الإسلامية المهتدية بهدى الله ورسوله، غير مختلط ما استطاع بذلك الوباء الجائح الذي فرض علينا في صورة مدنية أو حضارة أو علم أو ثقافة. ومن أجل ذلك لم أزل أثور عند كل بثق ينبثق من هذا الشر، في شأن أبي بكر - رضي الله عنه - قديمًا، وفي شأن عثمان - رضي الله عنه -، وفي شأن صحابة رسول الله في أيام فتنة عثمان؛

طور بواسطة نورين ميديا © 2015