وفرضوا على الناس أحكامًا من عند أنفسهم؟ أشرَعوا في الدين ما لم يأذن به الله؟ أأبطلوا الحدود ونصروا الخارجين عليها والمعتدين؟ أأعرضوا بقلوبهم ووجوههم عن كل ما تضمَّنَه كتابُ الله، وما احتوته سُنَّة رسوله، وعادوا في جاهليةٍ لا يعرفُ فيها لله دين، ولا يطاعُ له فيها أمرٌ، ولا ينتهي فيها عن منكر، ولا يؤتى فيها معروف؟ أرتكَسُوا هم والأمة كلها قرنًا من بعد قرنٍ في تعطل الإسلامِ في أحكامهم، وفي أنفسهم، وفي أبنائهم، وفي الذين دخلوا في هذا الدين حتى شمل ما بين الهند فرقًا إلى المغرب الأقصى غربًا. ومن حدود الروم شمالًا إلى أقصى الأرض جنوبًا؟ أيّ عاقل يستطيع أن يقول: نعم، في جوابِ سؤالٍ واحدٍ من هذه الأسئلة، فضلا عنها كلها؟

ولو غلغَل المرءُ قليلًا فسألَ نفسه: أمن الممكن لأمّة تنقُض دينها هذا النقضَ، الذي استوجبَ ذلك الحكم، أن تفتح الأرَضين كلها، وتحدث فيها أكبرَ تغيير حدث في تاريخ الجنس البشري كله: تتغير بهمْ ألسنة الناسِ إلى العربية، ودينهم إلى الإسلام، وتنابُذُهم إلى الألفه، وتداعيهم باسم العصبية والجنسية، إلى شيء واحدٍ هو جماعة المسلمين، ويقومُ هذا الأمرُ في الأرض ثلاثة عشر قرنًا، مع شدة ما انتابَ المسلمين على مرّ القرون من النوائب، إلى أن كانت النائبة الكبرى في هذا العصر، وهي نائبة الاستعمار، ويَظَلُّ مع ذلك هذا الرباطُ الوثيق مشدودًا، لا ينحلُّ من ناحية، إلّا تداركته آلاف الأسباب من هذا التراث من نواح أخرى، أكان ممكنًا لهؤلاء الذين خافوا أمانة الله أن يبلغوا هذا المبلغ؟ اللهم اشهد، فإنها كلمة لو صحت لأزالتْ العقول من مستقرّها؟ وصدقَ الله رسولَه والمؤمنين: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [سورة النور: 55]. وما من حرفٍ من هذه البشارة إلا أتمه الله على محمد وأصحابه وتابعيهم، إذ كانوا خيرَ أمةٍ أخرجتْ للناس، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويطيعون الله ورسوله في سرّهم وعلانيتهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015